مسافات

عبدالمنعم ابراهيم
أمريكا تسعى إلى إفشال صفقة «التمساح» العسكرية بين السعودية والصين
العالمُ بأكملِه يفكرُ في مصالحِه أولًا.. وكلُّ دولةٍ حاليًا تفكرُ بشكلٍ برجماتي في علاقتها بالدول الأخرى.. سواء في المصالحِ السياسيًّةِ أو العسكريَّةِ أو الاقتصاديَّة أو التكنولوجيَّة، وهذا ينطبقُ على الدولِ الكبرى أيضًا، وكلنا يتذكرُ الأزمةَ السياسيَّةَ التي اندلعت بين فرنسا وأمريكا وأستراليا العام الماضي، حين ألغت أستراليا صفقة عسكرية مبرمة بينها وبين فرنسا في وقت سابق لشراء غواصات تقليدية فرنسية تُقدّر بالمليارات من الدولارات، واستبدلتها بصفقة غواصات أمريكية تعملُ بالطاقةِ النووية مقابل مليارات أكثر من الدولارات، وحينها غضبت فرنسا من هذا التصرفِ (الأسترالي – الأمريكي) واعتبرته (طعنةً في الظهر)، وتم سحبُ السفراء في أستراليا وأمريكا للتشاور حول هذا الموضوع.. وطبعًا كلنا يعرف أن (واشنطن) فكَّرت في مصالحِها التجاريَّةِ والاقتصاديَّةِ في تلك الصفقةِ على حساب علاقتها مع فرنسا كبلدٍ صديق.. أي أن (واشنطن) باعت مفهومَ (الصداقة) مقابل كسب مليارات من الدولارات من أستراليا!! وأستراليا بدورها قالت: «إنها فكرت في مصالح بلادها وأمنها العسكري القومي حين استبدلت الغواصاتِ الفرنسية التقليدية بغواصات أمريكية نووية».
هذه الحادثةُ الشهيرةُ التي عرضت العلاقاتِ السياسية للاهتزاز بين فرنسا وأمريكا واستراليا العام الماضي نضعها أمام خبر نُشر أمس يقول: (طلبت الولايات المتحدة الأمريكية من السعودية، عدم المضي قدما في شراء أسلحة من الصين، متوقع وصولها نهاية الشهر الجاري (مايو) ضمن برنامج سري)!! وقال موقع (ذا انترسبت) الإخباري الأمريكي يوم الجمعة الماضي، إن مدير المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) «دليم بيرنز» زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مدينة جدة، لكن هذا الاجتماع كان سريًّا وغير اعتيادي.. ووفقا للموقع فإن الحكومة السعودية تخطط لاستيراد (صواريخ بالستية) من الصين كجزء من برنامج سري أطلق عليه اسم (التمساح).
لماذا أمريكا ترفض أن تتم صفقة (التمساح) بين السعودية والصين؟ أولًا لأنها تريدُ أن تحتكرَ سوق السلاح السعودي في يدها هي فقط لأسباب تتعلق بتحقيق أرباح طائلة تقدر بالمليارات من الدولارات تذهب سنويًّا إلى خزينة مصانع الأسلحة في أمريكا.. وثانيًا هي لا تريد للصين أن يكون لها موقعُ قدم في صفقات التسلح مع السعودية والإمارات ودول الخليج الأخرى، هذا على الرغم من أن إدارة الرئيس (جو بايدن) جمَّدت العملَ بصفقات أسلحة أبرمها سلفه (ترامب) مع السعودية والإمارات، وسحبت أمريكا صواريخ باتريوت وثاد الأمريكية كانت موجودة لحماية الأراضي السعودية ضد الهجمات الصاروخية للإرهابيين الحوثيين!!
والآن تأتي إدارة (بايدن) لتطلب بكل بساطةٍ من السعودية عدم المضي قدمًا في شراء أسلحة من الصين؟! حفاظًا على علاقات (الصداقة) بين أمريكا والسعودية!! وهي التي لم تحترم علاقةَ الصداقة بين أمريكا وفرنسا حين ألغت صفقة الغواصات الفرنسية مع أستراليا!!
يبدو أن هناك خللًا في التفكير لا يزال موجودًا في دوائر صنع القرار في (البيت الأبيض) قبل (حرب أوكرانيا) وبعدها، ذلك أن كثيرا من دول العالم لم تعد تثق في الصداقة مع أمريكا، التي تضع مصالحها هي في المقام الأول، وبالتالي تتخلى عن حكومات صديقة بجرة قلم! ولنتوقف قليلًا مع (تركيا) التي هي عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، حيث مضت (أنقرة) قدمًا في صفقة سلاح مع (روسيا) واشترت منظومة صواريخ روسية متقدمة، واحتجت (واشنطن) على تلك الصفقة، وجمدت العمل بعقود تسلح حول طائرات مقاتلة أمريكية متقدمة، ولكن هذا لم يمنع (أنقرة) من مواصلة الصفقة مع روسيا وتخطط لعقد صفقة مماثلة مع (موسكو) أيضًا.
باختصار أمريكا لم تستطع أن تملي رغباتها في إسقاط صفقات تسلح تركية–روسية، وتريد الآن أن تملي نفوذها السياسي بإسقاط صفقة (التمساح) بين السعودية والصين!!
الغريبُ في الأمرِ أن أمريكا تحضِّر حاليًّا لحرب هجينة أوروبية ضد روسيا، وهذا يعني بأن هناك احتمالا كبيرا أن يكون العالم أمام (حرب عالمية ثالثة)، وكل دول العالم، وخصوصًا في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية تريد حصانة قوتها العسكرية، بتنويع مصادر السلاح من مختلف دول العالم، وليس حصر التسلح في أمريكا وبريطانيا والغرب فقط، وبالتالي فإن الدول العربية وخصوصًا مصر والسعودية والإمارات وبقية دول الخليج من حقها أن تفكر في تنويع مصادر السلاح سواء من الصين أو روسيا أو دول أخرى، وليس فقط الاعتماد على السلاح الأمريكي أو البريطاني أو الأوروبي، والأهم من كل ذلك هو (توطين) صناعة السلاح في داخل الدول العربية وصناعتها من الداخل بدلا من استيرادها من الخارج، وهي مهمة بدأت تأخذ بها مصر والسعودية ودول عربية أخرى في السنوات الأخيرة.
العالم برمته يتغير.. فيما عدا (واشنطن) التي لا تزال تفكر بعقل ما قبل (حرب أوكرانيا)!!
إقرأ أيضا لـ"عبدالمنعم ابراهيم"
- «قمة السبع» تريد جر العالم إلى مواجهة ضد الصين!
- الغرب يرد على انتصارات روسيا في الدونباس بتحرشات في الأطراف!
- «جونسون» و«بايدن» مرشحان لفقدان السلطة قريبًا
- «أوروبا» تدفع ثمن التحالف الأمريكي–البريطاني ضد روسيا
- حلف أمريكا للدفاع الجوي.. إرضاء لإسرائيل وليس حماية للخليج
- أمريكا «لوّثت» ألمانيا باللجوء إلى الفحم بديلا عن الغاز الروسي!
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك