زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
هل كذبت الطبيبة الدنماركية؟
أعترف بأنني أعطي الانطباع في بعض مقالاتي بأنني خبير في أمور التغذية والصحة العامة، ولكنني سأظل أردد بأنني وفي معظم ما أكتب في تلك الأمور مجرد «طباخ» يتناول مواد من هنا وهناك ويضيف عليها بعض البهار، وأنقل إليهم اليوم بشرى أوردتها مجلة جمعية القلب الأمريكية، لذوي الحمولة اللحمية والشحمية الزائدة، ستنزل برداً وسلاماً على كثير من الناس، والنساء على وجه خاص، فقد قالت المجلة إن النساء اللواتي يشبهن ذكر الجراد من فرط «الرشاقة» معرضات لانسداد الشرايين أكثر من اللواتي لديهن مخزون شحوم استراتيجي في الأذرع والسيقان والأفخاذ والأرداف، وكان ذلك في ضوء دراسة أجراها فريق طبي في الدنمارك، وكان من بين نتائجها المدهشة أن معدل الوفيات بين البدينات أقل من معدله بين الرشيقات، لأن انعدام الدهون السطحية يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض الأوعية الدموية.
وياما قال أبو الجعافر إن الهوس بالرشاقة أدى إلى إصابة ملايين الفتيات الصغيرات بفقر الدم وفقر العرسان، ولكن مغني الحي لا يطرب، ولهذا كان للمطرب الأمريكي الراحل مايكل جاكسون معجبين عرب لا يحلم عبدالله بلخير «الرشيق جدا» بواحد على المليون منهم، ولو غنى في ستاد يلعب فيه ريال مدريد وبرشلونه، بل إن تحول برشلونة ومانشستر يونايتد إلى أندية تتمتع بجماهيرية عربية تناهز جماهيرية العجرمية وهيفاء بين المراهقين (ما بين سن الـ16 والـ76)، دليل على رواج عقلية الجار قبل الدار، وخصوصا إذا كان الجار أوربيا أو أمريكيا.
يا بنات على مسؤوليتي فإن الشباب العربي يزن ويقيم الجمال بالكيلو، ويا ما قلت لكُنّ إنه ما من شاعر تغزل بعظام حبيبته الناتئة أو ببروز عظام خدها! فالجمال لا يكمن في الهيكل العظمي بل في اللحم الذي يكسو العظم، وعلى كل حال حصل خير فهيا إلى الكبسة وهيا إلى الهريس والهردبيس، والمكرونة بالبشاميل (لذوي الثقافة المطبخية المحدودة أقول إن البشاميل مادة توضع في صينية المكرونة وتتألف من القشطة والبيض والزبادي والعجين والغراء وثاني أوكسيد الكاربوهيدرات ومن ثم فإن لقمة واحدة من البشاميل تزيد وزن الجسم كيلوجراما ونصف الكيلو).
والكلام عن أن البدينات أفضل صحة من الرشيقات المكعكعات جاء على لسان اختصاصية أمراض قلب دنماركية اسمها ماري آن مالوي، التي أضافت أن السمنة ليست خطراً على النساء اللواتي لا يعانين من ارتفاع ضغط الدم، وتكون معدلات السكر والكولسترول عندهن طبيعية، طالما أن الدهون عندهن ليست حول البطن وموزعة توزيعاً «عادلاً»، وهنا بيت القصيد ومكمن الداء والعلة: توزيعاً عادلاً!! ما من شيء عندنا موزع توزيعاً عادلاً غير الهم والنكد، والشحم ليس من التهذيب بحيث يحترم الجسم الذي يستضيفه، ويوزع نفسه بالتساوي بين أعضاء الجسم؛ وبوصفي أخصائياً في «القلب»، وأجيد قلب الأشياء أي جعلها مقلوبة فإنني أقول بقلب جامد إن كلام الفريق الطبي الدنماركي تخريف وتخبيص، وما زلت عند رأيي بأن الكبسة قد تكون مع البعض لا تقل خطراً عن التدخين، ويصدق هذا على كل الأكلات العربية التي يتم فيها تشبيع الأرز بالدهن الذي في اللحم الذي يطبخ معه (المندي والكوارع والثريد/ الفتة على سبيل المثال لا الحصر). وراجع كلام الدكتورة ماري آن مالوي: لا بأس في البدانة والشحم طالما أن الإنسان خال من السكري وارتفاع ضغط الدم والكولسترول! حتى شعبان عبدالرحيم يعرف أن هذا الكلام ساذج وسخيف لأن الشحم والبدانة هي التي تسبب – بدرجة أو بأخرى – السكري وارتفاع ضغط الدم والكولسترول.
ودعكم من كلام شاعركم الأرعن: ونحن أناس لا توسط عندنا/ لنا الصدر دون العالمين أو القبر، واختاروا خير الأمور الذي هو الوسط، ووسط الجسم الذي هو الخصر هو الموضع الذي ينبغي منع تكدس الأمتعة الزائدة فيه، فأخطر الشحوم هي تلك التي تجعل الجسم يبدو وكأن به مطبات في منطقة التقاء البطن بالحوض. يعني كفاكم هوساً بالرشاقة، وفي الوقت نفسه ارحموا أجسامكم وصحتكم بالابتعاد عما يرهقها من طعام وشراب وتبغ وخمر وحشيش. كفاية علينا الأفيون الحكومي الذي نستنشقه في نشرات الأخبار.
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك