يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره
لا تلوموا إلا أنفسكم
تحدثت أمس عن التصريحات التي أدلى بها الجنرال مايكل كوريلا، القائد الأمريكي الجديد للقيادة المركزية، في أعقاب زيارته للإمارات والسعودية ومصر والتي قال فيها إنه أكد لقادة الدول الثلاث أن أمريكا شريك يمكن الوثوق به.
هذه التصريحات تأتي في سياق تصريحات كثيرة لقادة ومسؤولين أمريكيين لوحظ تكرارها في الفترة القليلة الماضية تحاول تأكيد المعنى نفسه وتحاول إقناع الدول العربية الحليفة أن أمريكا مازالت متمسكة بالتزاماتها في المنطقة تجاه حلفائها.
مؤخرا مثلا، أدلى وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن بتصريحات حاول فيها طمأنة دول الخليج العربية وتبديد مخاوفها حول مدى التزام أمريكا بردع إيران. قال إن أمريكا «ستتابع العمل على مواجهة استعمال إيران للصواريخ والمركبات المسيرة، وسنتابع الوقوف بقوة إلى جانب شركائنا لمحاسبة إيران والمليشيات التابعة لها».
أيضا وزير الخارجية الأمريكي بلنكن له تصريحات في هذا الاتجاه.
من المفهوم بالطبع أن تكرار هذه التصريحات يعكس رغبة من هؤلاء المسؤولين في محاولة تجاوز الأزمة في العلاقات بين أمريكا والدول العربية بعد أن أصبحت معلنة ومعروفة أبعادها، ومحاولة طمأنة الدول الحليفة.
ومن المفهوم أيضا أن الموقف العربي من أزمة أوكرانيا الحالية والذي مثل صدمة لأمريكا هو الذي جعل هذه التصريحات تتكرر هذه الأيام.
المشكلة أنه حتى لو افترضنا أن هناك إرادة جادة حقيقية من جانب هؤلاء المسؤولين لتجاوز الأزمة وإعادة العلاقات مع الدول العربية الحليفة إلى سابق عهدها، فإن التطورات والأوضاع تجاوزت هذا من أكثر من جانب.
بداية، من حق الدول العربية أن تتشكك في مدى جدية وصدق هذه التصريحات والسبب أنها تعلم أن المسؤولين الأمريكيين يدلون بها بحكم الحاجة الأمريكية الملحة، وليس بحكم الاقتناع بالضرورة.
الأمر الأهم من هذا أن المواقف التي اتخذتها إدارة بايدن الحالية والسياسات التي اتبعتها تجاه الدول العربية منذ مجيئها إلى السلطة هي التي عمقت الأزمة ودفعت بها إلى مستويات متقدمة جدا من عدم الثقة في أمريكا والتأكد من أنه لا يمكن الرهان عليها كحليف.
الرئيس الأمريكي بايدن لعب دورا شخصيا في هذا بتصريحاته المنفلتة العدائية والمستفزة ضد القادة العرب والدول العربية.
وغير مواقفه الشخصية، كل سياساته تجاه المنطقة والقضايا التي تهم العرب، كقضية ردع إيران مثلا وغيرها، تؤكد أن القضية أبعد وأعمق من مجرد المواقف الشخصية.
بعبارة أخرى، القضية في جوهرها تتعلق بتحول هائل في الاستراتيجية الأمريكية العالمية وتجاه المنطقة خصوصا.
حدث أولا تحول كبير في الأولويات الاستراتيجية الأمريكية بحيث لم تعد المنطقة العربية بكل قضاياها تمثل أولوية بالنسبة إلى أمريكا.
وفي هذا الإطار، هناك قرار استراتيجي أمريكي بالتخلي عن الحلفاء العرب. بمعنى أن استراتيجية إدارة بايدن أصبحت تقوم على أن الدفاع عن الحلفاء في مواجهة أي تهديدات أو حمايتهم لم يعد أولوية أمريكية أو مهمة يجب القيام بها.
مؤخرا كشف مسؤول عسكري أمريكي كبير عن هذا صراحة هو الجنرال جوزيف فوتيل، القائد السابق للمنطقة المركزية الأمريكية. كان يعلق على التقارير التي تؤكد أن عدد القوات الأمريكية في المنطقة انخفض بشكل كبير جدا؛ إذ وصل إلى أقل من40 ألفا وكان قبل عام واحد نحو 70 ألفا.
الجنرال فوتيل قال إن عدد القوات والعتاد «كاف لإمكانية الرد على أي تهديد جدي لواحد من مصالح واشنطن الحيوية، لكنه ليس كافيا للدفاع عن كل شركائنا في المنطقة».
المهم هو ما قاله بعد ذلك حين أكد أن «هذا الأمر، أي أمر الدفاع عن شركاء أمريكا، ليس ضمن استراتيجية أمريكا، وأن عدد القوات ربما ليس كافيا لردع من يقومون بأدوار سيئة مثل النظام الإيراني».
ما يقوله واضح. أمريكا لم تعد معنية استراتيجيا بالدفاع عن حلفائها ولا معنية بردع من يهددهم مثل النظام الإيراني أو غيره.
الأمر برمته كما نرى أن الأزمة في العلاقات بين أمريكا والدول العربية وصلت حدا من التفاقم يصعب تجاوزه، وليس للأمريكيين أن يلوموا إلا أنفسهم. ومثل هذه التصريحات لا يمكن في حد ذاتها أن تطمئن أحدا أو تنهي أزمة.
إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك