التقيته سنوات طويلة بحكم عملي في تغطية أخبار النيابة العامة والمحاكم، وأعترف أنني كنت أتهيبه كثيرا بسبب ملامحه الجادة إلى درجة الصرامة، وهيبته التي تسبقه أينما حل.
وعندما أتيحت لي فرصة الاقتراب أكثر من المستشار أسامة العوفي المحامي العام الأول رئيس التفتيش القضائي بالنيابة العامة، تعرفت على الوجه الحقيقي له، فهو رجل شديد الطيبة.. شديد الوضوح، لا تحتاج إلى جهد كبير لتشرح له مطلبك أو وجهة نظرك، فذكاؤه حاد ورؤيته واضحة، وحبه واحترامه للقانون شيء لا يقبل الجدال، وانتماؤه الأول والأخير هو لوطنه مملكة البحرين.. وهذا سر قوته في مواقفه وفي مرافعاته الشفهية القليلة التي كانت تهز أرجاء المحكمة.
وفي أحد شوارع حي الزمالك بالقاهرة رأيت وجها آخر أكثر صدقا وقلبا يفيض بالمحبة والعطاء لمن عاش معهم خلال فترة دراسته للحقوق بالقاهرة، رأيته مع المستشار أحمد الحمادي يجلسان على مقعدين خشبيين متواضعين أمام محل عرفت أنه مملوك لأحد العاملين بنادي الطلبة البحرينيين، كانت حواراته شديدة الرقة والعذوبة معهم، ينادونه من دون ألقاب، يقولون «كان أسامة يحب الصلاة في هذا المسجد، ومازال يتبرع لتجديد فرشه»، «كان أسامة يجلس هنا... ولا يمكن أن يحضر أسامة إلى القاهرة من دون أن يزورنا»، كانوا يتعاملون معه وكأنه لا يزال الطالب المجتهد البسيط، رغم أنهم يعرفون أنه الآن المستشار الجليل رجل العدالة والقانون، لأنهم كانوا -وظلوا- يحبون الشخص لا المنصب، الإنسان النقي المحب الوفي وليس فقط رجل الدولة.
رحم الله رجلا لم تفارقه الابتسامة الصافية في لحظاته الأخيرة التي شاهدنا في آخر ستوري نشرها على الانستغرام قبيل رحيله بساعات، رجل إذا حدث صدق وإذا وعد أوفى وإذا اختصم فمن أجل القانون والعدالة، رجل لم ينس في أي لحظة فضل النائب العام الدكتور علي بن فضل البوعينين، الذي عمل معه في جهاز الادعاء العام بالداخلية، و لم ينس أنه من فتح له المجال مع بداية عمل النيابة، وآمن بأنه أحد رجال العدالة الأنقياء، رحم الله المستشار أسامة العوفي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك