مع تلاطم الصراعات الأيديولوجية على المسرح العالمي، نجد أن مسرح السياسة الأمريكية هو المسيطر، والذي قد ينتهي بهزيمة منكرة للحزب الديمقراطي في انتخابات الكونجرس القادمة. كما أن شباب ثورة حزب الشاي، في الحزب الجمهوري، أمامهم تحديات كبيرة، فهم الذين سيطروا على شوارع الوول ستريت في عام 2011، وقد ترافق ذلك مع أحداث ما سماه جهلا الغرب «الربيع العربي»، الذي تبين مؤخرا أنه ثورة عالمية على تباين الثراء، والذي سماه الاقتصادي الأمريكي البروفيسور جوزيف ستجلتز، الحائز جائزة نوبل، «انتفاضة العولمة»، التي بدأت بطوفان الأحداث في تونس مع نهايات عام 2010، حتى ثورة 25 يناير في مصر مع بدايات عام 2011، ثم حرائق واضطرابات الشوارع في لندن وباريس ومدريد وباقي الدول الأوروبية.. لتكمل إرهاصاتها بشكل جديد في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان، بل وبأزمة اللاجئيين الأوروبية، وبروز اليمين الأوروبي المتطرف.. وحتى الأصوات البريطانية ضد الاتحاد الأوروبي، وإلى اضطرابات البرازيل وفنزويلا.. لتكتمل الصورة اليوم بمحاربة الصعود الصيني والروسي، بالإضافة إلى حرب أوكرانيا.
يبدو العالم وكأنه ينتقل إلى عصر تفكك مجتمع العولمة، نتيجة الإحساس الشعبي العميق بالظلم، مع الغضب الشديد إزاء تباين الثراء العالمي. فهناك حوالي ستين ملياردير في عالم الغرب والشرق، يملكون بقدر ما يملك ثلاثة مليارات ونصف المليار من سكان العالم.
وقد ناقش اناتول كاليتسكي، مؤلف كتاب «الرأسمالية 4»، اختلاطات تباين الثراء بقوله: «يسود شعور عالمي بنهاية عصر، مع تفكك مجتمعات مستقرة سابقا، تعبر عنها أبيات خالدة للشاعر ويليام بتلر ييتس، في قصيدته العظيمة «المجيء الثاني»، التي يقول فيها: الأشياء تتداعى، ويعجز المركز عن الصمود، ويُطلَق العنان للفوضى تجتاح العالم... فلا يجد الصالح سبيلا للإقناع، بينما الطالح تملؤه قوة متوقدة... وأي وحش فظّ هذا الذي يفيق أخيرا، عندما ينهار كل شيء؟ وقد كتبت هذه الأبيات في شهر يناير من عام 1919، بعد مرور شهرين على انتهاء الحرب العالمية الأولى، حيث استقرأ الشاعر أهوال الحرب العالمية.
وفي العشرينيات والثلاثينيات، بل أيضا في الستينيات والسبعينيات، ومرة أخرى اليوم، ارتبط اليأس من السياسة بخيبة الرجاء في نظام اقتصادي فاشل. ولكن من المفروض أن الرأسمالية الديمقراطية تستجيب للأزمات، بتفاعل جذري لإصلاح النظريات الاقتصادية والمؤسسات السياسية.
ويبدو أنه حان الوقت لانهيار الرأسمالية المالية المتحررة من الضوابط والقيود التنظيمية، لتتم ثورة رابعة في السياسة والفِكر الاقتصادي، فما هي سماتها؟
لقد اتسمت الثورات الثلاث السابقة بتحول الحدود بين الاقتصاد والسياسة، ففي رأسمالية القرن التاسع عشر، تجسدت في القطاع الحكومي والخاص، بتحصيل الضرائب لتغطية نفقات المغامرات العسكرية وحماية المصالح الخاصة. بينما في المرحلة الثانية الكينزية كان يُنظَر إلى الأسواق بعين الريبة، في حين اعتُبِرَ التدخل الحكومي صحيحا. وأما في المرحلة الثالثة، التي هيمنت عليها مارجريت تاتشر ورونالد ريجان، فأصبحت الحكومة مخطئة عادة، والسوق على صواب دائما. وقد نعرف المرحلة الرابعة الراهنة بالاعتراف بأن الحكومات والأسواق قد ترتكب أخطاء مأساوية.
ويبقى مع قرب إجراء الانتخابات النيابية والتعيينات الشورية، وتوقع تشكيل حكومة المستقبل الشبابية.. هل حان الوقت لمعالجة تحديات المرحلة الرابعة من رأسمالية السوق، بخلق توازن بين مسؤولية الحكومة التنظيمية، وحرية القطاع الخاص؟
{ السفير السابق لمملكة البحرين في اليابان
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك