هوامش

عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
«العفو الدولية» تخاطب الضمائر الميتة
تساءلت منظمة العفو الدولية في بيانها الذي أصدرته بإدانة جريمة اغتيال الصحفية الفلسطينية، الأمريكية الجنسية، الشهيدة شيرين أبو عاقلة «كم شخصا بعد يجب أن يقتل قبل أن يتحرك المجتمع الدولي لمحاسبة «إسرائيل» على جرائمها المستمرة ضد الإنسانية»؟، الصحفية الفلسطينية التي اغتيلت برصاصة قناص محترف باستهداف الجزء المكشوف من رأسها، لم تكن سوى شخصية واحدة من بين ما يقارب الأربعين صحفيا فلسطينيا اغتالتهم رصاصات القنص أو سقطوا من خلال استهداف قوات الاحتلال «الإٍسرائيلي» لمقار عملهم، كما حدث في العدوان الأخير على قطاع غزة، وهؤلاء الشهداء لا يشكلون سوى قطرة في بحر الدماء الفلسطينية المسفوكة ظلما على مدى أكثر من سبعة عقود.
تساؤل المنظمة الدولية لم يأت من فراغ، وإن كان بمناسبة اغتيال أيقونة الصحافة الفلسطينية، إلا أنه يأتي لتؤكد المنظمة حقيقة غير قابلة للشك، وهي أن استمرار الجرائم «الإسرائيلية» ما كان ليحدث لو أن هناك مساءلة أممية حقيقية للفاعلين والواقفين وراء هذه الجرائم، فسلطات الاحتلال «الإسرائيلي» على قناعة تامة بأن سياسة الإفلات من العقاب تحظى بتغطية سياسية قوية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى ومن خلفها بكل تأكيد حلفاؤها الأوربيون وغيرهم، مما يجعلهم شركاء مباشرين وغير مباشرين في هذه الجرائم.
الشهيدة الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، هي من حيث الوضع القانوني تعتبر مواطنة أمريكية وبالتالي تتمتع بحقوق المواطنة الأمريكية، بما في ذلك التزام قانوني أمريكي للدفاع عن حياتها وحقوقها، ولكن بحكم العلاقة الاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب، وكون أمريكا هي الراعي والضامن للتمرد «الإسرائيلي» على القانون والشرائع الدولية وهي، أي واشنطن هي التي توفر لــ«إسرائيل» طوق الإفلات من العقاب، اكتفت بإدانة مقتل شيرين وطالبت بــ«تحقيق شفاف»، وهذه ليست سوى مواقف معلبة تخرج بعد كل جريمة شنيعة ترتكبها سلطات الاحتلال، مع أن واشنطن تمتلك ما يكفي من أدوات ووسائل للوصول إلى حقيقة مقترفي هذه الجريمة، لكن هوية الرصاصة التي اخترقت عنق الشهيدة تحول دون ذلك.
مسؤولو سلطات الاحتلال حاولوا التنصل من مسؤولية اغتيال الصحفية الفلسطينية، كما سبق لهم أن تنصلوا أيضا من قتل الطفل محمد الدرة في حضن والده، إلى جانب ما لا يحصى من الجرائم المختلفة، فحاولوا هذه المرة إلقاء اللوم على المسلحين الفلسطينيين في مخيم جنين بالضفة الغربية المحتلة لكن مكان الإصابة يؤكد حرفنة القناص ناهيك عن نوعية شظايا الرصاصة التي استقرت في رقبة الشهيدة بفضح مصدرها، لذلك سارعت سلطات الاحتلال إلى الطلب من السلطة الوطنية الفلسطينية بإجراء تحقيق مشترك وتسليمها تلك الشظايا، هو الطلب الذي سارعت السلطة الفلسطينية إلى رفضه لما يتستر خلفه من خبث ومكر «إسرائيليين».
بعض المسؤولين «الإسرائيليين» يقولون إن «إسرائيل» لا تخشى التحقيق الدولي، فليس لديها ما «تخفيه» عن جريمة قتل شيرين، وهذا صحيح، فهذا الكيان فوق القوانين والشرائع الدولية، رغم كل الجرائم التي اقترفها على مدى سبعة عقود، ورغم جميع التقارير التي خرجت عن لجان التحقيق الدولية في بعض الجرائم والتي حملت «إسرائيل» مسئوليتها، فإن شيئا لم يحدث ولم يحاسب أي مسؤول، لذلك فإن «إسرائيل» لا تخشى أي تحقيق في قتل الصحفية الفلسطينية، أضف إلى ذلك، فإن سجل الممارسات «الإسرائيلية» حافل بشتى أنواع الجرائم، من دون أن نشهد محاسبة واحدة.
المجتمع الدولي، بجميع منظماته، مطالب أكثر من غيره بالتحرك لوضع حد لسياسة الإفلات من العقاب ومحاسبة المجرمين على ما يقترفونه من جرائم بحق الإنسانية، كما أسمتها منظمة العفو الدولية في بيان الإدانة الصادر عنها، وما لم يكن هناك تحرك جاد وفعال، وما لم يكن هناك تحريك لما تمتلكه هذه المنظمات من أدوات قانونية وسياسية، فإن شيرين أبو عاقلة لن تكون سوى رقم تتلوه أرقام وأرقام من الضحايا، هذه حقيقة تؤكدها طبيعة وحجم وأعداد الجرائم التي اقترفتها سلطات الاحتلال على مدى سبعة عقود بحق أبناء الشعب الفلسطيني.
فإذا كانت «إسرائيل» مسؤولة قانونيا عن الجرائم التي تقترفها بحق أبناء الشعب الفلسطيني، فإن المجتمع الدولي مسؤول أخلاقيا وسياسيا عن استمرار هذه الجرائم وعن جريمة تشريد الشعب الفلسطيني وتجريده من حقه الإنساني في دولة مستقلة ذات سيادة شأنه شأن جميع شعوب العالم، وعن أي تداعيات تترتب على استمرار اقتراف هذه الجرائم، فليس هناك شعب في العالم ليس له وطن، وليس هناك شعب مجرد من جميع حقوقه الإنسانية وعرضة للبطش والقتل والتنكيل والتشريد شبه اليومي من دون أن يجد من يدافع عنه ويمنع عنه الإجرام.
إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك