(رسم لدار اهل الجود والكرم ..
سادة العرفان مسندة العلم ..
«ناصر» سليل خير بيت العز ..
في معدنه تسكن احلام الشباب..
وفي بوحه يستعجل القلم)
لم يقف الشعر يوماً على عتبة دون اخرى على رغم تنوع اجناسه الأدبية بين الفصيح والعامي والمنقسم لفريقين من الكتابة الا وهي العامية والنبطية، وكلاهما يمثلان بيئة الشاعر التي درج وتربى فيها، ولا يختلف الشعر في توجه انا كان عاميا او نبطياً او فصيحاً الا من خلال ما يبوح به الشاعر ويتعامل معه في ظل اجناسه الأخرى.
ولأن الشعر في حياة العرب يعد السفير الناطق باسمهم والذي يعد «سفير العرب» في حياتهم، حاملاً رسائل الحب والسلام والذود عن الوطن.
ولكلّ امة لغتها المتعارف عليها، ففي حياتنا عُني كثيرٌ من الباحثين في عصرنا الحاضر بتاريخ الشعر العامي المنقسم - للعامية الدارجة والنبطية، والذي يعد خارجاً من بطن القصيدة العربية الفصحى، في نهجه للقصيدة المقفاة العامودية.
ومنذ أن خرج من رحم الفصيح، متمسكاً بقوائم وجسد ثابت في قوام القصيدة الذي تتوزع عليه انواع كتابة مواضيع النص الشعري، من نهج للقصيدة العامودية، حتى تخفف هذا الشعر أي النبطي من تلك القيود وصار على هيئة القصيدة العامية الغنائية التي سار على نهجها الكثير من الشعراء.
ويبقى ان اؤكد على أن الكثيرين من الشعراء الذين ارتبطوا وعرفوا بكتاب القصيدة العامية، قد ادرك بعضهم قانون كتابة القصيدة الفصحى، لغة ونهجًا وصورًا وأخيلة، من حيث نهج القصيدة العربية، ومنهم شاعرنا الذي سوف اقف على تجربته الملفتة والتي تغنى بها الكثير من المطربين.
وما هذه المقدمة التي فرضت نفسها لتتقدم ما سوف اشير إليه في تجربة شاعر قدير يكتب قصيدته بلغة نبطية، متفرداً في اسلوبه ومضمون قصائده التي تنحو نحو الحب والسلام ومجالسة ذوات المعرفة والحكمة والذود عن الوطن، بلغة سليمة تحمل بين كفة ميزانه نبض عاشق لأبناء جلدته.
هذا الشاعرة بصيرٌ يرى ما حوله من جمال هو نتاج عطاء رباني مكن للإنسان أن يصيغ نبضه بهدوء وبحكمة العارف بالأشياء الثمينة في مدائن الحب والسلام والأرض وما عليها من خلق بهيج.
هذا الحب قد برز في قصائده المتنوعة بين الحب والسلام وبين الحكمة في موضع السؤال.
سؤال تتدلى في عناقيد قصائده لؤلؤ تنوعت اجناسه فخاطب بها الآخرين بشغف المدرك بمعنى ومفهوم الحب بميزان العقل وخاطب بها الرجال من ذوات العلم بميزان الحكمة ونحا نحو قصيدة مغناة لها من خصال الخيول العربية ما شدّ اكثر المطربين إلى حضائرها، وعبر بصيرته ولدت القصيدة من بطن طاهر الخصال.
شاعرنا القدير والجميل الشاب سمو الشيخ ناصر بن حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، قائد الحرس الملكي البحريني، مستشار الأمن الوطني ورئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة ورئيس اللجنة الأولمبية البحرينية ، ممثل جلالة الملك للأعمال الإنسانية.
بين قصيدة هذا الشاعر نقف لنستقصي الجمال والحكمة وسمو الكلمة من حيث موقعها في النص الشعري.
ومن ذاكرة خصبة نقف على قصيدة من قصائده تحت عنوان «طيب السيرة»
حيث تقول القصيدة:
يالله يارب السما.. ربّ لقدار
يا عالم بالخير.. شره وخيره
ياللي بحكمك كل شي لنا صار
ياللي بعلمك كل شي تديره
بإدراك الواعي بدولاب تغير الأحوال، وأن الأنسان مصيره بقدرة قادر فهو ميسر ومدبر الأمور, يرسم لنا الشاعر سمو الشيخ ناصر بن حمد ذلك الرباط الرباني الذي يمدنا بكل ما هو خير ويدفع بأحلامنا وامانينا نحو ما نصبو إليه.
ولأن شاعرنا ادرك ثقل فقد عزيز علينا وعلى الأمة العربية، فهو في هذا النص يرثي سمو المغفور له الشيخ زايد رحمة الله عليه.
ومن النص نقرأ من القصيدة قوله:
مع زايد الأيام فرحات واعمار
وكل الليالي بعد زايد عسيرة
الدار تبكي يا عرب حاكم الدار
والناس ترثي زايد بكل ديره
هكذا هو الارتباط الإنساني لدى الشيخ ناصر بن حمد، حمل حزن فقد الأحبة بقلب كبير وبلغة تفيض بالألم وبجمال البعد التربوي المتأصل في روحه الكبيرة.
ومن قصيدة معنونة بعنوان : لا من ذكرتك يقول فيها الشاعر:
لا من ذكرتك يفزّ الشعر والقلب هاض
واجر فيك القصايد وأحكم أوزانها
لعيون من خلت الدنيا بياض إفبياض
لغة يغلب عليها الإحساس المرهف نقرأه في النص، دون تكلف يسير بركاب كلماته نحو محبوبته التي يعتبر ذكرها تهيض بالقلب وتفززه، وتجعل من الدنيا التي يعيشها بياضا من الفرح والأنس.
فدرك المحبوبة حركت دواخل نفسه بإحساس الملهم الحساس لشغف الحبيبة، فسافر دون قيد نحو مرابعها.
ومن تلك يتضح لنا مفهوم العلاقة بين الحبيب والمحبوب وكيف تسمو في ظل علاقة عفيفة يغلب عليها معنى العفاف.
ومن قصيدة مهداة إلى سمو الشيخ خالد بن حمد آل خليفة تحت عنوان «خالد» نقرأ من النص:
للقصيدة احكام واوزان وقوافي
وأنت يا ابيض الكفين وافي
والقصيد اليوم يوم إني كتبته
ما كتبته من غرام ومن تجافي
كاتبه في مدح رجل تعرفونه
امتلا معناي فيه وطاب قافي
خالد اللي في قلوب القلب خالد
إلى اخر النص الذي يقف شاعرنا ناصر على خصال الشيخ خالد بالذكر المحبب والحسن الخصال، متفاخراً به وبكرمه، مادحا له بلغة شفيفة عالية المقام في لدن الشيخ خالد.
ومن قصيدة له نشرت العام 2021 في شهر اكتوبر بجريدة اخبار الخليج البحرينية مهداة الى سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يقول فيها مادحاً:
سلامي لبو خالد معطر بالريحان
مثل سيرته بين العرب عطره وحيه
محمد ولا غيره احد كائناً من كان
حاضره يحي عن امجاد ماضيه
عدو الخطأ والشر والظلم والبهتان
وصديق الامور اللي على الخير مبنيه
بهذه اللغة التي قادت سموه في مدح سمو الشيخ محمد بن زايد، تُبنى العلاقات الحميمية التي تأصلت في روح سموه واعطته قدما ثابتة في التقدم لمحبيه بالحمد والشكر والعرفان.
لغة تجاورت بالمحبين فأبرزت صورة الشاعر الرقيق ذي الهمة في بناء مجد واعطاء رسائل لا تجف عن الحب.
وفي قصيدة نشرت بجريدة الأيام في 14 نوفمبر 2020 في رثاء المغفور له عمه سمو الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة الذي فقده الوطن، قال فيها:
يالله دخيلك من صواديف الأقدار..
اللي غزتنا فالسنين الأخيره
نصبر على الصكات.. والوقت لاجار..
وعزومنا من ربي كبيره
صورة مثقلة بالحزن والألم لفقد سمو الشيخ خليفة بن سلمان يترك سمو الشيخ ناصر ليوقظ الحزن ويؤكد على الدور الكبير الذي تمتع به سمو الراحل، غفر الله له.
وفي مجال كتابة النصوص المغناة، غنى من كلمات سمو الشيخ ناصر كل من المطرب راشد الماجد وهي كالتالي: اغنية ابتدا الصيف واغنية خل العتب.
وغنى من كلماته ايضاً المطرب عبدالمجيد عبدالله في اغنية بعنوان: دروب الغلا وغنى من كلماته ايضا المطرب محمد عبده اغنية بعنوان بنت الخيل وغنى من كلماته ايضا المطرب خالد عبدالرحمن اغنية بعنوان البارحة وايضاً من كلمات سموه غنى له المطرب راشد الماجد اغنية الناموس.
وفي لدن سموه الكثير من المشاريع التي هي بين عينيه رهان الحصان العربي، تسير به ركاب احلامه ويمضي في عناق محبيه ليقدم اجمل صورة لوطن يدعى البحرين، فالشاعر سمو الشيخ ناصر كسر طوق حلمه ليخرج ويبوح بسر كلماته ذات الخصال المتعارف عليها عند قبائل اهل الجود.
وختاما، ارى ان سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة قد اعطى في صغر سنه ما لم يعطه كبار الشعراء في مرحلة عمرية قصيرة، اطال الله في عمره ليقدم اجمل لطوق المحبين من وفاء وفي الفخر واغراض ما للقصيدة من اهداف اخرى مثل المدح والهجاء والفخر والعتاب والحكمة، فهي لذة المتلقي من لدن شاعر لا يبخل على محبيه.
اسم المحبوبة، والفخر بالذات، ثم الدخول في الغرض الأساس من القصيدة كالمدح، والفخر والغزل، والهجاء، والعتاب، والحكمة وغيرها.
اخيراً اؤكد أن تفنن شعراء العامية اليوم في صورهم الشعرية وفي تنوع اتجاهاتها، قد ابرزت لنا شعراء هم اليوم رهان الخيول العربية المطهمة، حيث جاءت مبتكرة قصائدهم متجاورة لبيئتها كالفصحى تماماً، ولم ينقص هذا من جزالتها وقوة سبكها عند من يُعنون بقصائدهم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك