هوامش

عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
«داعش» يصبغ رمضان أفغانستان بالدماء
في موازاة عودة حركة «طالبان» الأفغانية إلى السلطة بعد الانسحاب الأمريكي الفوضوي من البلاد في شهر أغسطس من العام الماضي، عاد النشاط الدموي لما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» إلى استئناف جرائمه الدموية التي تركزت تحديدا في استهداف دور العبادة لجميع الطوائف الدينية الأفغانية، بما في ذلك المساجد والجوامع والتي كان آخرها الهجوم الدموي الذي استهدف مسجدا لأبناء الطائفة السنية الكريمة في مدينة كابول، الذي أسفر عن سقوط عشرات القتلى وأضعافهم من المصابين، بينهم من إصاباته خطيرة، وهي الجريمة التي لا يفصلها سوى عدة أسابيع من استهداف مسجد آخر لأبناء الطائفة الشيعية الكريمة في مدينة مزار الشريف الذي خلف أعدادا كبيرة أيضا من القتلى والجرحى.
حركة «طالبان» الأفغانية التي تسير على نفس خط التطرف الديني الذي يعتنقه «داعش»، وإن كانت درجة تطرفها أدنى نسبيا من تطرف الأخير، هذه الحركة التي تسلمت زمام السلطة في أفغانستان بعد عشرين عاما من اقتلاعها بعد الغزو الأمريكي الذي نفذ ردا على هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 الإرهابية ضد عدد من المرافق المدنية الحيوية في الولايات المتحدة الأمريكية، هذه الحركة يبدو أنها غير قادرة على كبح جماح التنظيم الإرهابي، الذي من المؤكد أصبح يشكل عبئا ثقيلا على مهمة الحركة في تنظيم شؤون «إمارتها الإسلامية».
خلال سنوات الاحتلال الأمريكي والأطلسي لأفغانستان، ظل تنظيم الدولة الإسلامية شبه عازف عن القيام بمثل هذه الهجمات الإرهابية، ليس لأن القوات الأمريكية والأطلسية كانت قادرة على الحيلولة دون ذلك، وإنما لأن هذا التنظيم كان على ما يشبه الوئام مع «طالبان»، ولم تكن هناك منافسة وجودية حقيقية بينهما، لكن بعد عودة «طالبان» إلى السلطة، تغير الأمر حيث كان «داعش» يطمح إلى الحصول على نصيبه من الكعكة الأفغانية، في حين ترفض «طالبان» أي مشاركة للآخرين في الوليمة التي تعتقد أنها أحق بها بعد عشرين عاما من القتال ضد الجيوش الغازية.
أيًّا تكن طبيعة العلاقة بين تنظيم «الدولة الإسلامية» وحركة «طالبان»، فإن الأخيرة لن تقدر على التصدي لمثل هذه الهجمات الإرهابية التي اعتاد «داعش» القيام بها، ليس في أفغانستان فحسب، وإنما في أي منطقة له وجود تنظيمي فيها، وهذا ما يحدث في العراق وسوريا وبعض الدول الإفريقية، وبنفس الطريقة والنوعية، حيث يعتمد على انتقاء الأهداف الرخوة أمنيا، مثل الأسواق والمساجد، بهدف إسقاط أكبر عدد من الضحايا الأبرياء.
السجل الحافل بالجرائم التي نفذها تنظيم «الدولة الإسلامية» في العديد من الدول، يكشف بجلاء نوعية الأهداف التي يختارها هذا التنظيم، فجل أعماله الإجرامية، تستهدف الأماكن المدنية أكثر من غيرها، فهو لا يفرق بين مسجد وكنيسة أو سوق تجاري أو حافلة ركاب جماعي، فبالنسبة إلى هذا التنظيم الأهم هو إراقة دماء الأبرياء، أيًّا تكن انتماءاتهم الدينية أو الطائفية والعرقية، فالأماكن المستهدفة وهويات الضحايا تؤكد هذه الحقيقة.
وهناك عوامل كثيرة تجعل من «طالبان» غير قادرة على ضبط ومحاصرة مثل هذه الأعمال الإرهابية لتنظيم «داعش»، من بين هذه العوامل تأتي الإمكانيات الذاتية للحركة، فهي تفتقر إلى التنظيم الأمني المحكم والمعدات الكفيلة بتحقيق ذلك، أضف إلى هذا، فإن الحركة ظلت حتى الآن عاجزة، أو أنها لا تريد، عن تحقيق وئام داخلي يجمع مختلف أطياف الشعب الأفغاني، والسبب في هذا العجز يعود إلى الحركة نفسها، التي لا تؤمن أصلا بالتعدد ولا تريد سوى نمط أفغاني واحد، وهو النمط الذي أسسته منذ سنوات حكمها الأولى، ولم يتغير كثيرا، حتى بعد عشرين عاما من إزاحتها عن السلطة في أفغانستان.
فأفغانستان، في ظل حكم «طالبان» والنهج الذي تسلكه وطريقة إدارتها للحكم، جعل من هذه البلاد حلقة رخوة وأهدافا سهلة أمام تنظيم «الدولة الإٍسلامية»، وخاصة أن سلطة الحركة لم تنل بعد اعتراف الغالبية الساحقة من دول العالم، وهو من الأسباب التي تحول دون إقدام أي من هذه الدولة على تقديم المساعدات والخبرات الأمنية لمواجهة مثل هذه الأعمال الإرهابية التي يقف وراءها تنظيم «داعش»، إلى جانب ذلك، فإن حركة «طالبان» لم تبد حتى الآن الجدية الكافية لتطمين مختلف الدول، وفي المقدمة دول الجوار، فيما يتعلق بسياستها وموقفها الصريح من التنظيمات الإرهابية، بما في ذلك «داعش»، الذي لم تظهر «طالبان» الجدية الكافية في التصدي لأنشطته.
في مثل هذه الوضعية الأمنية والسياسية التي تمر بها أفغانستان تحت قيادة حركة «طالبان»، فإن البلاد مرشحة لاستقبال المزيد من مثل هذه الهجمات الإرهابية، وخاصة أن تنظيم «الدولة الإسلامية» مستمر في تعزيز مواقعه في هذه البلاد وتنسيق أنشطته مع أشقائه في الدول الأخرى، وهناك معلومات شبه مؤكد عن وجود مثل هذا التنسيق والتعاون اللوجستي، بشريا بالدرجة الأولى، مع فروع هذه «الدولة» في أكثر من بلد، وقد سبق أن تحدثت بعض الأنباء عن نقل عناصر لتنظيم «داعش» من سوريا إلى أفغانستان، وبالتالي فإن المستقبل الأمني لهذا البلد مرشح لمزيد من التدهور، وخاصة أن تنظيم الدولة يرى في أفغانستان موقعا ملائما لأنشطته في ظل غياب سلطة مركزية قوية وقادرة على مواجهته.
إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك