يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره
تشومسكي والنفاق الأمريكي
نعوم تشومسكي (93 عاما) مفكر أمريكي شهير جدا ويعتبر واحدا من أهم وأكبر المفكرين الأحياء في عصرنا. هو معروف عبر تاريخه بانتقاداته الحادة للسياسات الأمريكية والغربية عموما تجاه دول العالم وله عشرات الكتب والمقالات المنشورة. وتشومسكي يحظى باحترام واسع حتى من جانب الذين لا يوافقون على آرائه ومواقفه.
في الفترة الماضية عبر تشومسكي عن مواقف وآراء من الأزمة الأوكرانية في عديد من الحوارات التي أجريت معه تابعت العديد منها.
الآراء والمواقف التي عبر عنها تشومسكي تستحق التأمل والتوقف عندها نظرا لما لها من وزن وقيمة.
بداية، اتخذ تشومسكي موقفا انتقاديا حادا من الغزو الروسي لأوكرانيا واعتبر انه بمثابة «عدوان اجرامي» من الممكن ان يضع العالم على اعتاب صراع دموي مفتوح.
لكن هذا الانتقاد لروسيا لم يكن مبررا بالنسبة لتشومسكي لتبرئة ساحة أمريكا والدول الأوروبية.
هو يحمل أمريكا ودول حلف الناتو مسؤولية أساسية عما جرى ويعتبر انه كان من الممكن تجنب ما جرى وما فعلته روسيا لو انها تصرفت بطريقة مختلفة بعد نهاية الحرب الباردة. رأيه هنا يتلخص في انه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة كان هناك تعهد غربي واضح بعدم التوسع في عضوية حلف الأطلنطي بما من شأنه إثارة مخاوف روسيا، وكانت هناك صيغ مطروحة لحقبة ما بعد الحرب الباردة، وانه لو تمسك الغرب بتعهداته لم يكن الأمر ليصل إلى حد ما يجري اليوم.
يقول انه «كانت هناك فرصة كبيرة في نهاية الحرب الباردة خلال عهد الرئيس بوش الأب عندما قدم الرئيس ميخائيل جورباتشوف رؤيته لإدارة حقبة ما بعد الحرب الباردة، واقترح أن تكون منطقة أوروبا وآسيا موحدة وممتدة من لشبونة إلى فلاديفوستوك دون أي تحالفات عسكرية، أو ما سُمِّي حينها (دار أوروبا المشتركة)، كان ذلك أحد الخيارات المقترحة»، وخيار الرئيس بوش الأب، لم يكن مختلفا جدا عن مقترح نظيره السوفيتي حينها. إذ اقترح ما سماها (شراكة من أجل السلام). يرى تشومسكي ان الغرب لو نفذ هذه الرؤى ولم يخل بتعهداته ما كانت روسيا لتقدم على غزو أوكرانيا اليوم.
أما أهم ما عبر عنه تشومسكي من آراء فيتعلق بتحليله للموقف الأمريكي من أزمة أوكرانيا وكشفه لما اعتبر انه نفاق أمريكي فج.
يقول تشومسكي عن موقف أمريكا بشكل عام: «موقف واشنطن هو مواصلة الحرب حتى يُقتل آخر أوكراني. هذه ليست كلماتي وإنما جملة أستعيرها من إحدى الشخصيات الدبلوماسية المحترمة في أمريكا، هو السفير الأمريكي الأسبق في السعودية تشارلز فريمان. فقد وصف بالتفصيل استراتيجية الولايات المتحدة إزاء النزاع، وقال إنها تتمثل في (مواصلة القتال حتى سقوط آخر أوكراني)، لكن دون اللجوء إلى تسوية سياسية، ودون تقديم أي مخرج من هذا النزاع. ولا يقف خيار القتال حتى سقوط آخر أوكراني عند معناه الحرفي، وإنما يشير إلى احتمال قوي للانتقال إلى صِدام بين القوى النووية الكبرى، أي نهاية العالم في شكله الحالي، بصيغة أخرى».
ويتحدث تشومسكي في حواراته عما يعتبر انه نفاق أمريكي في الموقف من الأزمة فيما يتعلق خصوصا بجانبين: الحديث عن القانون الدولي، وعن الديمقراطية والدكتاتورية.
فيما يتعلق بالحديث عن القانون الدولي، ورغم انتقاداته لبوتين يقول ان أمريكا والدول الغربية التي تتذكر اليوم القانون الدولي هي اكبر من انتهكه في العالم. يقول: «صحيح، بالطبع، أن الولايات المتحدة وحلفاءها ينتهكون القانون الدولي دون أن يطرف لهم جفن، لكن ذلك لا يقلل من جرائم بوتين... كان غزو العراق مثلا نموذجا تاما للجرائم التي شنق بسبب مثلها النازيون في نورمبرج، وكان عدوانا بلا أدنى استفزاز».
اما عن مسألة الديمقراطية وزعم أمريكا والدول الأوروبية ان ما يجري في أوكرانيا هو صراع من اجل الديمقراطية في مواجهة الدكتاتورية وان خوف بوتين الأكبر ليس هو تطويق الناتو، بل انتشار الديمقراطية الليبرالية في أوكرانيا و«الخارج القريب» من روسيا، فيقول: «بوتين مهتم بالديمقراطية مثلنا، إذا كان بإمكانه الخروج من فقاعة الدعاية لبضع دقائق، وللولايات المتحدة تاريخ طويل في تقويض الديمقراطية وتدميرها، هل هناك حاجة لذكر هذه الوقائع؟.. إيران عام 1953، وجواتيمالا عام 1954، وتشيلي في عام 1973.. إلخ. والآن، هل من المفترض بنا أن نحترم التزام واشنطن الهائل بالسيادة والديمقراطية ونعجب به؟.. هل يجوز ان نعتبر ان ما حدث في التاريخ لا يهم لأنه حدث لأشخاص آخرين».
هذه باختصار أهم الآراء والمواقف التي عبر عنها مفكر أمريكي مثل تشومسكي. وهي كما نرى تقدم وجهة نظر متوازنة وموضوعية إلى حد كبير.
إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك