هوامش

عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
الدول الإسلامية في مواجهة التطرف
ليست سوى أيام معدودات، إن لم نقل ساعات لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليدين، ليست سوى أبعاد زمنية قصيرة تلك التي تفصل بين جريمة اقتحام المسجد الأقصى من قبل سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» والاعتداء على المصلين الفلسطينيين وتوفير الحماية لجحافل المستوطنين وتمكينهم من تدنيس الحرم القدسي، وبين جريمة حرق نسخة من القرآن الكريم من قبل زعيم حزب «الخط المتشدد» الدنماركي، راسموس بالودان، مع بعض المتطرفين في السويد، وهي جرائم وإن كانت ليست مرتبطة ببضعها البعض وليس هناك علاقة بين المنفذين لها، إلا أنها تندرج في إطار الممارسات المتطرفة، عسكريا وفكريا ودينيا أيضا.
هذه الأيام من شهر رمضان المبارك الذي يشهد وقوع مثل هذه الأحداث (الجرائم)، هي أيام تحمل الكثير من العبر التي تضع العرب والمسلمين أمام المسؤولية التاريخية وتدعو إلى الوقوف أمامها بكل جدية ومحسوبية، فما حدث ويحدث لأولى القبلتين، وما تعرض له كتاب الله من تدنيس على أيدي متطرفين، إنما تظهر للجميع مدى ما وصلت إليه درجة الاستخفاف وعدم احترام مشاعر مئات الملايين من العرب والمسلمين في أنحاء العالم كافة، الأمر الذي يستدعي وقفة جادة ورسائل مباشرة لمنع تكرار ومواصلة مثل هذه الإساءات.
صحيح أنه على مدى أكثر من الخمسين عاما تلك التي انقضت على احتلال «إسرائيل» مدينة القدس، حاضنة أولى القبلتين، فإن عمليات التدنيس والاقتحامات، من جانب سلطات الاحتلال والمستوطنين، للمسجد الأقصى، لم تتوقف، سواء في المناسبات، كما هو الآن، أو في غير المناسبات، وقد اصطبغت ساحات المسجد وبواباته ومختلف ردهاته، بدماء عشرات الشهداء الذين هبوا للدفاع عن مقدساتهم وحرماتها، وبالقدر نفسه، لم يسلم كتاب الله من الإساءة، من قبل المتطرفين الدينيين وغير الدينيين، وخاصة في الدول «الديمقراطية» التي ترفض التصدي لمثل هذه الإساءات بحجة الكفالة الدستورية والقانونية لـــ«حرية الرأي والتعبير».
الإساءات الأخيرة التي تعرضت لها الرموز الدينية المقدسة لدى مئات الملايين من المسلمين، فتعرض المسجد الأقصى لهذه الهجمة الصهيونية الشرسة بمشاركة جحافل المستوطنين تحت الحماية الرسمية «الإسرائيلية»، وحرق نسخ من القرآن الكريم من دون أن تتحرك السلطات السويدية للحيلولة دون وقوع مثل هذا الفعل المشين والمسيء لعقيدة مئات الملايين من المسلمين، بمن فيهم مواطنون من المملكة السويدية، ما كانت لتقع وتتكرر لو أن مثل هذه الجرائم، التي سبق أن ارتكبت من قبل أيضا، وبمثل هذه الخسة والدناءة، قوبلت بإجراءات تجعل من تكرارها أمرا في غاية الخطورة.
الدول الإسلامية لا تستطيع أن تقطع علاقاتها مع الدول التي ترتكب على أرضها مثل هذه الأفعال والجرائم، فهناك علاقات تاريخية وقوية مع مملكة السويد على سبيل المثال، وهي من الدول التي ترفض التطرف، ولها مواقف بناءة وإيجابية من القضية الفلسطينية على سبيل المثال، وترفض سياسة الاحتلال والتنكيل بأبناء الشعب الفلسطيني، وبإمكان الدول الإٍسلامية التعويل على هذه العلاقة لإيصال رسالة صريحة وواضحة بأن تكرار مثل هذه الإساءة (حرق نسخة من المصحف على سبيل المثال) يسيء إلى هذه العلاقة ويهدد استقرارها.
المطلوب من الدول الإسلامية لمواجهة مثل هذه التطورات واستمرار الإساءة لرموز الدين الإسلامي، أن تأخذ بيدها زمام المبادرة في الدفاع الحقيقي عن المعتقدات والرموز الدينية المقدسة، وإيصال رسالة واضحة إلى المسؤولين عن التغاضي عن هذه الممارسات والذين يجيزونها تحت الحجج غير المنطقية وغير المقبولة، بأن استمرارها وتكرارها يعني القبول بتخريب العلاقات بين الدول الإسلامية ودولة مثل السويد وغيرها، مع التنبيه إلى أن مثل هذه الرسالة لا تنطبق على التعاطي مع قضية تدنيس والإساءة إلى المسجد الأقصى، لأن القضية لها أبعاد ليست دينية فقط، وإنما أبعاد سياسية.
إضافة إلى ذلك، فإن الدول الإسلامية مطالبة أيضا بأخذ المسؤولية إزاء مثل هذه القضايا على عاتقها مباشرة، لسد الباب أمام استغلال المتطرفين لهذه القضايا والقيام بأعمال لا تمت للدين الإٍسلامي بصلة، مثل القيام بأعمال تخريبية وحرق الممتلكات العامة، كما حدث بالضبط في السويد، بحجة الرد على هذه الإساءات، ذلك أن لغة الدم والعنف، في مثل هذه الحالات، إنما هي اللغة التي من شأنها أن تسيء إلى المواقف الإسلامية المعتدلة والوسطية، ولا تخدم الهدف الأسمى وهو حماية المقدسات الدينية والدفاع عن حرمتها والوقوف في وجه أي شكل من أشكال الإساءة إليها.
إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك