في السادس عشر من إبريل 2022 نشرت وسائل الإعلام العالمية خبراً مفاده غرق باخرة تجارية محملة بحوالي 750 طناً من المحروقات قبالة السواحل التونسية، ووفقاً لبيان وزارة البيئة التونسية فإن سبب الحادث يتمثل في «سوء الأحوال الجوية وأن المياه تسربت إلى السفينة بارتفاع بلغ مترين» إلا أن الوزارة ذاتها أفادت في الثاني والعشرين من إبريل 2022 أن السفينة فارغة ولا تحمل وقوداً، وبغض النظر عن ملابسات ذلك الحادث والذي كاد أن يتسبب في كارثة بيئية واسعة النطاق لولا عناية الله، فقد استحوذ ذلك الحادث على جل اهتمام العديد من دول العالم وخاصة الدول الأوروبية ومن بينها إيطاليا التي بادرت بإرسال سفينة عسكرية لمنع التلوث البحري، فإن تلك الحادثة قد أثارت الجدل مجدداً حول مخاطر الكوارث البحرية وخاصة على البيئة البحرية التي تعد مصدراً رئيسياً من مصادر الثروة الطبيعية، ربما يكون الحديث عن تهديدات البيئة البحرية ليس بالأمر الجديد ولكن الملاحظ هو أنها يتم توظيفها في الصراعات ويمكن الإشارة في هذا الشأن إلى مثالين أحدهما حديث وهو قصة ناقلة النفط اليمنية «صافر» والتي تحمل على متنها حوالي 1,1 مليون برميل من النفط الخام ويحتجزها الحوثيون منذ عام 2015 على بعد ستة كيلو مترات في البحر الأحمر قبالة ميناء الحديدة بما يعني إمكانية أن يشهد اليمن أكبر كارثة بيئية في العالم حال تسرب النفط الى مياه البحر وعلى الرغم من الإعلان عن اتفاق مبدئي بين الأمم المتحدة والحوثيين على إفراغ حمولة السفينة في أخرى فإن المسائل الفنية تعد تحدياً هائلاً في هذا الشأن، أما الآخر فهو تاريخي ويتمثل في الآثار البيئية التي خلفها الغزو العراقي لدولة الكويت على البيئة البحرية التي لاتزال تمتد حتى اليوم حيث قام النظام العراقي بضخ نفط الكويت الى مياه الخليج في يناير 1991، بحوالي 11 مليون برميل، كما أن حوالي 20 مليون برميل كونت بحيرات نفطية والتي لاتزال آثارها باقية حتى الآن في أسوأ كارثة بحرية على مر التاريخ.
وتأسيساً على ما سبق فإن الكوارث البحرية لها جانبان الأول: إما لأسباب طبيعية ترتبط بعوامل الطقس، والثاني: فرضية الأعمال الإرهابية والتي ازدادت وتيرتها إبان العقود الماضية بالنظر إلى سعي الجماعات دون الدول والدول التي تدعمها لاستهداف أهداف بحرية ثمينة بتكلفة زهيدة، فيمكن استهداف ناقلة تجارية تحمل بضائع بملايين الدولارات من خلال زورق صغير يصعب اقتفاء أثره، وهو ما يعني أنه يتعين أن يكون هدف مواجهة تلك المخاطر ضمن أي جهود إقليمية ودولية تستهدف الحفاظ على الأمن البحري في ظل تعاظم أهمية البحار سواء في النقل أو كونها نقاط ارتكاز لوجيستية، وأعني بذلك «إدارة الكوارث البحرية» فلا سبيل للحيلولة دون وقوع تلك الكوارث ولكن التساؤل هو هل لدى التنظيمات الإقليمية آلية جاهزة للتعامل مع هذا النوع من الكوارث التي لن تكون آثارها وقتية بل سوف تمتد سنوات ليست بالقليلة؟
مملكة البحرين اتخذت إجراءات احترازية عملية مهمة للتعامل مع أي كوارث بحرية محتملة ومن ذلك تنظيم المجلس الأعلى للبيئة بالتعاون مع اللجنة الوطنية لمواجهة الكوارث والجهات المعنية التمرين الوطني الثاني لمكافحة الانسكابات النفطية، والذي تضمن محاكاة عملية لحادث انسكاب نفطي من إحدى ناقلات النفط بهدف اختبار مدى سلامة فعالية خطة الطوارئ الوطنية لمكافحة التلوث بالزيت والمواد الأخرى الضارة والتي تم تحديثها، حيث تم إجراء ذلك التمرين على تسرب افتراضي لكمية من الوقود الثقيل الى البحر يبلغ حجمها 1000 طن، فضلاً عن تدشين مملكة البحرين مركز بابكو للقيادة والمخصص للتعامل مع حالات الطوارئ والكوارث في المجال النفطي.
وفي تقديري أن تلك الإجراءات وغيرها لاتزال هي المتطلبات الأساسية للتعامل مع هذا النوع من الكوارث في ظل أربع حقائق مترابطة أولها: الاعتماد شبه الكامل لدول الخليج العربي على مياه الخليج ليس فقط بالنسبة للتجارة مع دول العالم وإنما في ظل اعتماد دول الخليج بشكل رئيسي على تحلية المياه بما يعني أن أي كوارث بحرية سوف تكون تحدياً هائلاً أخذاً في الاعتبار وجود تهديدات أخرى لتلك المحطات ومن ذلك استهداف الحوثيين محطة «تحلية المياه بمنطقة الشقيق» بالمملكة العربية السعودية في مارس 2022، وثانيها: أنه من الصعوبة بمكان السيطرة على انتشار بقع التلوث البحري إذا ما تزامن ذلك مع ظروف طقس غير مواتية ومن ثم فإن وجود خطط مسبقة على الأقل لمنع توسع تلك البقع يعد ضرورة استراتيجية للتعامل مع هذا النوع من الكوارث البيئية البحرية، وثالثها: أنه من الواضح لجوء الجماعات الإرهابية لتوظيف البيئة البحرية في الصراعات الإقليمية في ظل عدم وجود قوات ردع دولية لمواجهة مخاطر تلك الجماعات في البحار، ورابعها: تعدد مخاطر التلوث البحري في منطقة الخليج العربي على نحو خاص والتي لا ترتبط بالضرورة بتسربات من ناقلات النفط بل في ظل وجود المنشآت النووية الإيرانية على الضفة الأخرى من الخليج العربي والتي تؤكد التقارير الدولية كافة أن مصمموها لم يأخذوا بعين الاعتبار كافة معايير الأمان، فبغض النظر عن مدى بعد أو قرب تلك المنشآت من العواصم الخليجية فإن كون حركة الرياح في الخليج تسير عكس عقارب الساعة فإن ذلك يعني ببساطة تسريع نقل التلوث النووي من إيران إلى دول الخليج العربي.
وعود على ذي بدء فإن حادثة غرق الباخرة التجارية قبالة سواحل تونس لم تكن منشأة للحديث والاهتمام بموضوع الكوارث البحرية ولكنها أعادت التأكيد مجدداً على أهمية ومحورية هذا الموضوع الذي يجب أن يحظى باهتمام بالغ ليس فقط من جانب كل دولة على المستوى الوطني وإنما من خلال إدراج تلك المخاطر ضمن أي جهود تستهدف تأسيس آليات جماعية لمواجهة مخاطر الأمن البحري الذي أضحى مهدداً بشكل بالغ، ومع أهمية استراتيجيات الدول في هذا الشأن فإن زيادة الوعي الأمني بتلك القضية يعد أمراً مهماً وهنا يبرز دور الأكاديميات الأمنية ومن ذلك استحداث الأكاديمية الملكية للشرطة بمملكة البحرين الدبلوم التطبيقي للعلوم البحرية ما يعد خطوة مهمة بالنظر إلى أن قضايا الأمن البحري في كافة دول العالم بها العديد من الدروس المستفادة التي يمكن الاستعانة بها ضمن جهود مواجهة تهديدات الأمن البحري.
حادث غرق تلك الباخرة ليس الأول ولن يكون الأخير بما يعني قرع أجراس الإنذار حول مخاطر تلوث البيئة البحرية التي تزداد حدتها للدول الأكثر اعتماداً على البحار وفي مقدمتها دول الخليج العربي.
{ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك