يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره
الغرب يحارب المستقبل
من أكبر الانتقادات التي يوجهها الغرب إلى الرئيس الروسي بوتين منذ تفجرت أزمة أوكرانيا أنه يسعى إلى إحياء الإمبراطورية الروسية وإعادة روسيا كواحدة من أكبر القوى العالمية القادرة على فرض إرادتها وتحدي القوى الأخرى.
وما يعتبره الغرب خطيئة لبوتين ليس عيبا في الحقيقة ولا يستديى توجيه سهام الانتقاد له. ليس عيبا أن يسعى بوتين، ولا أي زعيم لأي دولة في العالم، إلى إعادة بناء قوة بلاده وإلى جعلها قوة عالمية مؤثرة قادرة على فرض مصالحها والدفاع عنها في مواجهة أي مخططات من دول أخرى منافسة.
وإذا كان الغرب يعتبر أن محاولة بوتين إعادة الماضي جريمة تستوجب أن يحاربها، فإنه يرتكب جريمة كبرى. الغرب يحارب المستقبل.. مستقبل العالم والبشرية بأسرها.
الغرب يحارب اليوم من أجل الحيلولة دون قيام نظام عالمي جديد أكثر توازنا وعدلا وتنوعا.
ولنا أن نتأمل الجوانب التالية:
الغرب يحارب بكل قواه وبكل ما يملك من نفوذ من أجل منع أي دولة كبرى من أن تبلغ من القوة حدا يمكنها من منافسته، ويمكنها من توسيع نفوذها في العالم.
الغرب يفعل هذا بالذات مع الصين وروسيا إذ يعتبر أنهما أكبر دولتين مؤهلتين لمنافسته وتحديه. لكن الأمر لا يقتصر على البلدين. سيفعل هذا مع أي دولة أخرى تتحداه في أي منطقة في العالم.
وهذه استراتيجية غربية معلنة ومعروفة. معروف مثلا أن استراتيجية أمريكا مثلا تقوم في جوهرها على اعتبار أن الصين وروسيا هما أكبر تهديد عالمي لها وتجند إمكانياتها لمحاربتهما على كل الأصعدة.
والغرب يحارب بكل قواه من أجل الحيلولة دون بروز عالم متعدد الأقطاب لا تنفرد فيه قوة واحدة بموقع الهيمنة والسيطرة على المقدرات العالمية كما هو الحال اليوم.
بعبارة أخرى يحارب الغرب من أجل أن تبقى هيمنته على النظام العالمي.
هذا على الرغم من أن قيام نظام عالمي متعدد الأقطاب مستقبلا هو مصلحة لكل دول العالم، ويتيح لها فرصا وإمكانيات أكبر لاستغلال التنافس العالمي المتعدد الأقطاب لخدمة مصالحها.
والغرب يعلم أن عالما متعدد الأقطاب يعني بالضرورة قدرة مختلف الدول على اتباع نظام للحكم والممارسة السياسية يلائم ظروفها وأوضاعها الخاصة دون الرضوخ للإرهاب السياسي الذي يمارسه الغرب من أجل إجبار الكل على اتباع النظام السياسي الغربي تحت زعم انه هو الأكثر ديمقراطية.
هذا مع أن النظام الليبرالي الغربي يواجه أزمات طاحنة حاليا كما تحدثنا مرارا، ومستقبلا غير واضح المعالم مفتوحا على كل الاحتمالات.
وفي الوطن العربي تحارب أمريكا والغرب من أجل الحيلولة دون قدرة أي دولة عربية منفردة أو مجموعة من الدول العربية مجتمعة على امتلاك القوة والإرادة على اتباع السياسات والمواقف المستقلة بعيدا عن الغرب وإملاءاته. وتطورات الفترة الماضية تشهد بوضوح على ذلك كما نعلم. وقد وصل الأمر مثلا إلى حد ممارسة الضغوط من اجل وقف برامج التعاون العسكري مع دول مثل الصين وروسيا.
باختصار، الغرب يريد مصادرة مستقبل العالم ومستقبل البشرية لحسابه وحساب أطماعه الامبريالية. هذا هو بالضبط ما يفسر رد فعله الهستيري ضد روسيا تحت ذريعة ما يجري في أوكرانيا.
هذه المعركة التي يخوضها الغرب هي معركة خاسرة. لن يستطيع إبقاء هيمنته على مقدرات العالم مستقبلا ولن يستطيع منع دول العالم من الاستقلال والتحرر من هذه الهيمنة.
هذا ما تؤكده أي قراءة موضوعية للتطورات والأوضاع العالمية، وما يقوله حتى المحللون والباحثون في الغرب نفسه.
إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك