حين نبدأ في شروع كتابة النص القصصي تلك هي العتبة الأولى من المشروع الذي يرتكز عليه الموضوع في أبعاده الفكرية منهجا وعقلا، وبذلك تبدأ مرحلة التأمل والتسارع في البحث عن مداخل قريبة تؤدي بنا إلى معرفة ووضوح البيان لنستطيع الولوج إلى داخل تلك المساحة الضيقة المنافذ، حيث تبقى قدرة الكاتب النوعية هي مفتاح ودليل الوعي الفكري لديه.
لتوضيح هذه الأبعاد أجرى ملتقى القصة البحرين في الآونة الأخيرة هذا الاستطلاع موضحا تلك الأبعاد المختلفة تنظيرا وكتابة، من خلال طرح سؤالنا على عدد من الكتاب الذين يكتبون القصة القصيرة، فقد كان مضمونه كالتالي:
كم من الوقت يستغرقه الكاتب عند البدء في كتابة نص قصصي حتى يتحول من مرحلة التمهيد والتخطيط إلى الولوج الفعلي في مرحلة الكتابة؟
وعلى ضوء ذلك حصرنا عددا من الإجابات المختلفة في منظورها واختلاف آرائه بين كاتب وآخر في كتابة النصوص القصصية.
كان في مقدمة هذه الإجابات الكاتب الروائي والقاص البحريني جابر خمدن: حيث أجاب قائلا: تعتمد فكرة الكتابة للنص القصصي على شهية وحالة الكاتب السردية، فقد تخطر له فكرة وتأتي فكرة أخرى ثم يجد الأفكار تتدفق بين أنامله حينها يكتب النص. ومن ثم بعدها المراجعة. لحذف وشطب بعض المراجعات، بقصد إضافة أخرى.. في النهاية يُوضع في غرفة التخمير حسب طقوس كل كاتب،
ويضيف قائلا: القصة قد تستغرق ساعة لكتابتها حسب عدد الكلمات وقد تختمر شهور عدة. وقد يعيد الكاتب كتابة القصة أو تعديلها.. البعض من الشيء فيضع الفكرة، البذرة في مكان ما، ورقة، دفتر، ذاكرة افتراضية حتى يختبر قابليتها للنمو والبقاء. وإلا.. بعض الأفكار تموت قبل ولادة القصة أو الرواية.
كما يتفق معه في هذا الرأي د. جميلة الوطني وآية سيد حميد فيما ذهب إليه من طرح في إجابته. كما تتفق معه أيضا القاصة أمينة الكوهجي في قولها: اتفق مع جابر في هذا السيناريو عند كتابة أي نص. وأنا شخصيا لا اكتب إلا إذا هزني موضوع ما وحرك في داخلي الرغبة للكتابة ولا أحب أن أتردد كثيرا في الفكرة بل هي تتداعى بكل تفاصيلها أمامي.
وتحدث د. جعفر الهدي في إجابته قائلا: إذا قصدت أخي محمد وقت الكتابة الفعلي فأنا أعتقد بخلاف ما يقال أن كاتباً كتب رواية في خمس سنوات أو ما شابه ذلك أمر مبالغ فيه.
بمعنى وقت الكتابة الفعلي في حدود الأشهر لكن إذا أضفت فترة التخطيط ثم البحث في المراجع وربما الانتقال لأماكن تتطلبها الكتابة فقد يأخذ ذلك فترة تبلغ السنوات. أما في احتساب الفترة أحياناً يقال إن الكاتب كتب روايته في خمس سنوات والواقع أنه كان يكتب ويتوقف وينشغل بأشياء أخرى ولو احتسبت فترة الكتابة الحقيقية فهي لا تتجاوز الأشهر كما قلت.
مثلا الراحل فريد رمضان يقال إنه كتب المحيط الانجليزي في ثماني سنوات وبحكم عملي في الصحافة كنت أعرف أن عمله في الصحافة كان يسرقه من كتابة الرواية وحتى التفكير فيها لفترات طويلة من المدة الكلية التي يشار إليها.
ويسترسل د. جعفر الهدي في قوله: مثلا محمد السنعوسي يقول إنه كتب ساق البامبو في أربع سنوات وأقام في الفلبين سنتين ليعايش المكان والشخصيات.
أنا أعتقد إن الأمر فيه مبالغة فهو كان يعيش حياته الطبيعية ويصرف وقته في أشياء كثيرة ليس لها علاقة بالرواية وكذلك عندما بدأ الكتابة كان الوقت الذي يخصصه لها في حدود معينة.
اما الكاتب الروائي والقاص عباس عبدالله فيرى: أن في الغرب يحسبون الوقت بالساعة ليكونوا أكثر تحديدا ومثال ذلك يقولون أن السيارة الفلانية استغرق تجديدها مائة ساعة عمل كي تصبح كما هي عليه. وحتى الساعات الفاخرة أو الأشغال اليدوية يحددون العمل فيها بالساعات ليكونوا دقيقين وليس بالأيام والشهور والسنوات.
أي ان اليوم فيه 24 ساعة وقد يستهلك أحدهم منه ساعة واحدة فقط في عمل ما فلا يقول أنجزته في يوم بل في ساعة وهكذا. على سبيل المثال (لدي قصة لازلت لم استطع اكمالها رغم مرور أكثر من 12 سنة ومرد ذلك لنقص المراجع التي استند فيها على المعلومات التي احتاجها لصياغة القصة واخراجها في صورتها النهائية).
الكاتبة زهراء المبارك تعقب قائلة: بالنسبة لي أنا عجولة في كتابة أي قصة أو رواية. التأخير في الفكرة فقط قد يكون أياما وقد يكون شهورا ما أن تبزغ الفكرة في ذهني أباشر في التخطيط ووضع الشخصيات وصفاتها وأدوارها وأبعادها المادية والاجتماعية والنفسية في ورقة خارجية أو في ذاكرة الهاتف، فإن كانت قصة احتاج من يوم إلى أسبوع مع المراجعة،. أما اذا كانت رواية احتاج من شهر إلى شهرين لكتابتها وأعمل نفس التخطيط والخارطة.
في ختام مداخلاتنا رأت الكاتبة المختصة في أدب الطفل نسرين النور قائلة: بالنسبة لي مع قصص الأطفال لا استغرق وقتا طويلا في كتابتها، إنما الوقت في مراجعتها والإضافة والتعديل عليها، لكن بالنسبة لطباعتها ورؤيتها النور تتطلب وقتا يصل الى سنوات.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك