يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره
«النوستالجيا» التي تخيف الغرب
الحرب في أوكرانيا لا تتعلق بأوكرانيا وحدها ولا في حد ذاتها وانما تتعلق بصراع عالمي بين روسيا من جانب والمعسكر الغربي من جانب آخر.
هذا أمر أصبح معروفا وكتب عنه تفصيلا عشرات المحللين في العالم كله.
لهذا، أصبح من الشائع القول إن الغرب لا يعنيه أمر أوكرانيا ولا مصيرها برمته الا في إطار انها مجرد محطة على طريق هذا الصراع الطويل الممتد.. لا يعنيه الا مصالحه ومستقبل نظامه العالمي.
مؤخرا قرأت عددا كبيرا من التحليلات الغربية في هذا الاتجاه ولاحظت انها تطرح الموضوع من زاوية محددة وبشكل صريح.
يقولون ان مشكلة الغرب الحقيقية لا تتمثل فيما تتعرض له أوكرانيا وما يمكن ان ينتهي اليها أمرها، وانما مع بوتين، وتحديدا مع «نوستالجيا بوتين».
يقصدون بـ«نوستالجيا بوتين» أن لديه حنينا جارفا إلى حقبة الاتحاد السوفيتي والى عهد الإمبراطورية السوفيتية ويريد إعادة التاريخ إلى ذلك العهد.
أحد هذه التحليلات مثلا نشره مركز أبحاث أوروبي هو «مركز تحليل السياسة الأوروبية» بعنوان «نوستالجيا بوتين السوفيتية»، وجاء فيه: «لا تتعلق الحرب في أوكرانيا بأوكرانيا، إنها تتعلق برغبة رجل واحد في العودة إلى الماضي. إنها سمة إنسانية للغاية أن ننظر إلى الماضي بشعور معين من الشوق، وربما بألم حزن لما فقد. لكن قلة منهم ستكون لديهم الجرأة أو الرغبة في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. من الواضح جدًا أن هذا هو هدف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي ربما لم يبلغ السبعين بالصدفة في هذا العام. بمرور الوقت، أعرب عن غضبه الداخلي من انهيار الاتحاد السوفيتي، واصفا إياه بأنه «أعظم كارثة جيوسياسية في القرن».
والتحليل يدعو الغرب إلى ان يتحرك وألا يقف ساكنا لمواجهة هذه «النوستالجيا».
الغرب يعلم، وبوتين نفسه يعلم، ان عودة الاتحاد السوفيتي أمر مستحيل، وعودة الإمبراطورية السوفيتية إلى سباق عهدها غير ممكنة، فما الذي يخيف الغرب إذن من هذه «النوستالجيا»؟.. ما الذي يفزعه بالضبط؟
بداية، الغرب يعلم ان هذه النوستالجيا هي أحد المصادر الكبرى لاستنهاض الروح القومية والاعتزاز بالتاريخ الوطني والكرامة الوطنية.
الغرب يعلم ان هذه «النوستالجيا» تعني العمل على بناء القوة القادرة الرادعة والعمل على استعادة مكانة روسيا في النظام العالمي وان يكون له دور قيادي مؤثر كما كان الحال في الماضي.
بعبارة أخرى، يعلم الغرب ان «النوستالجيا» تقود في نهاية المطاف إلى تحدي الهيمنة الغربية على النظام العالمي، وتحدي النظام الليبرالي الغربي على صعيد مختلف دول العالم، وشكل من أشكال رد الاعتبار للاشتراكية.
لهذا تحديدا يعتبر المحللون والساسة في الغرب ان ما يطلقون عليه «نوستالجيا بوتين السوفيتية» مصدر خطر جسيم ويجب ان يتصدوا لها.
بالمناسبة الأمر لا يتعلق ببوتين وحده او روسيا وحدها.
الدول الغربية لنفس الأسباب تخشى «النوستالجيا» العربية الإسلامية. يخشى حنين العرب والمسلمين إلى عصر الإمبراطورية العربية الإسلامية وأيام كان العرب والمسلمون هم سادة العالم وهم الذين يعلمون الغرب معنى الحضارة والإنسانية والتقدم. هم يخشون هذا ويعتبرون انه خطر يهدد أيضا الغرب وهيمنته ونظامه العالمي.
في الوعي الغربي، هذا أحد الأسباب الكبرى وراء الحملات التي لا تتوقف على الإسلام وعلى العرب والمسلمين، ووراء ما يتعرض له العرب والمسلمون في الدول الأوروبية من ظلم واضطهاد وتمييز.
باختصار بالنسبة لروسيا أو الصين أو مختلف دول العالم، يعتبر الغرب ان الروح الوطنية القومية والاعتزاز بالتاريخ والماضي والحضارة مصدر خطر جسيم يهدد هيمنته وسطوته في العالم.
إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك