يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره
العائش في الوهم
التصريحات والمواقف العلنية التي دأب الرئيس الأمريكي بايدن على التعبير عنها منذ بدء الحرب في أوكرانيا تبدو في منتهى الغرابة.
بشكل عام، حين يتحدث بايدن عن الإجراءات التي اتخذتها والعقوبات التي فرضتها أمريكا ودول حلف الأطلنطي ضد روسيا وتأثيراتها، وعن الدعم الذي يتم تقديمه لأوكرانيا يتحدث كما لو كان الغرب قد حقق انتصارا ساحقا في الحرب وكما لو كان قد تمكن من ردع روسيا تماما وأوقفها عند حدها.
وبالمثل، حين يتحدث عن روسيا والحرب التي تشنها يتحدث كما لو كانت قد تلقت هزيمة ساحقة. ومؤخرا قال إن روسيا «فشلت فشلا استراتيجيا» وأن بوتين سيتلقى الهزيمة في الحرب.
ثم كان تصريحه الكارثي الذي قال فيه إن بوتين «لا يمكن أن يبقى في السلطة».
الأمريكيون أنفسهم، ساسة ومحللون، هم أول من اعتبر أن هذا تصريح كارثي غير مسؤول. كثيرون قالوا إن مثل هذه التصريحات لم تصدر أبدا عن أي مسؤول أمريكي حتى في ذروة الصراع في فترة الحرب الباردة. وقالوا إنه لا يمكن الحديث عن دولة نووية عظمى مثل روسيا بهذا الشكل.
المسؤولون الأمريكيون تباروا في محاولة التنصل من هذه التصريحات ومحو آثارها وفي محاولة توضيح أن بايدن لم يقصد ما قال، وأنها زلة لسان، وهكذا.
الكثيرون في أمريكا طالبوا بالزام بايدن بأن يكتفي بقراءة التصريحات المكتوبة فقط وألا يرتجل أبدا.
حتى حلفاء أمريكا مثل الرئيس الفرنسي ماكرون سارعوا بالتبرؤ من تصريحات بايدن وانتقدوها.
حقيقة الأمر إن بايدن في تصريحاته عن الحرب وعن روسيا يبدو منفصلا عن الواقع ويعيش في أوهام يتخيل أنها حقائق وواقع.
أولا، يتجاهل بايدن حقيقة أنه بغض النظر عن كيفية انتهاء الحرب وما تحققه روسيا أو ما لا تحققه، فإن الغرب خسر المعركة أصلا.. خسر معركة هيمنته على النظام العالمي. المحللون والخبراء في الغرب هم الذين يقولون هذا قبل أي أحد آخر في العالم.
المواقف التي اتخذتها أمريكا والدول الغربية منذ اندلاع الحرب كشفت زيف شعارات هذه الدول، وأفقدتها ما تبقى لها من مصداقية لدى دول وشعوب العالم.
بعض من أقرب حلفاء أمريكا نأوا بأنفسهم عنها وعن مواقفها ورفضوا مطالبها وبدأوا جديا في الاستعداد لنظام عالمي جديد ولبناء علاقات استراتيجية مع قوى أخرى غير الغرب. الحديث يطول هنا على أية حال.
وعلى صعيد الحرب وتطوراتها لا يستطيع أحد أن يقول إن روسيا فشلت أو تلقت هزيمة. كل التطورات تشير إلى أنه حتى لو لم تستطع روسيا تحقيق كل أهدافها فسوف تحقق أغلبها والأكثر أهمية منها. أوكرانيا نفسها أقرت بهذا وبدأت تسلم به. والمحللون الغربيون يتحدثون عن انتصار كبير تحققه روسيا.
على ضوء هذا يستغرب المرء عن أي نصر للغرب وعن أي هزيمة استراتيجية لروسيا يتحدث بايدن؟!
المشكلة في تصريحات بايدن الغريبة هذه أنها تقدم صورة سيئة جدا عن قيادة دولة عظمى مثل أمريكا. تقدم صورة لقيادة لا تملك التقدير السليم لما يجري ولا لحقائق الأمور، ولا تستطيع اتخاذ المواقف المسؤولة الرشيدة.
لهذا، لم يكن غريبا أن تنهار شعبية بايدن في أمريكا في الفترة الماضية إلى أدنى مستوى، وأن يعبر أغلبية الأمريكيين عن رفضهم وعدم رضاهم عن إدارته لأزمة كورونا. هذا ما أكدته استطلاعات الرأي العام.
والمشكلة لا تتعلق فقط بأزمة الغرب عموما ونظامه العالمي، لكن سيكون لها تأثيرات بعيدة المدى في داخل أمريكا نفسها إذ تعمق أزمتها السياسية المعروفة. وهذا ما سوف تؤكده حتما الفترة القادمة.
إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك