(بين عينيه لغة الياسمين ..
وبين شفتيه هدوء مريح ..
يسافر بمحبيه نحو ذاكرة الجدود
وبيوت جامعة لمحبيها ..
حول سفرة يتحلق حولها الطيبون)
قبل ما يقارب الخمسة أعوام التقيتُ به في معرض الكتاب بالشارقة عام 2017 بمركز اكسبو، بعد معرفة سابقة جمعتني به شذراته الإبداعية في زاويته في مجلة الرافد، كونه مدير تحرير المجلة التي تصدر عن دائرة الثقافة بالشارقة من الإمارات العربية.
هادئ، ينظر للأشياء بعين ناقدة تتقدم محبيها وتضع فوق كل أعراف الورد لغة لينة تحمل من الطيبة عبقا يلتصقُ بمقدمه كمبدع حريص على رسائله الأدبية والثقافية.
أديب خبر الكتابة مجرباً كل مداخلها ومخارجها، مستأنساً بكل ما حولها من أدب اكتظت هوادجه بصراعات وجدليات أقربها الحب والألفة التي قادته كأديب ومهتم بالشأن الثقافي وباحث لا يهدأ، تقدمته لغة الإصرار والتحدي، فكان الموروث الحي وباعث رسائل الأبد.
إنه الروائي القاص والشاعر الناقد المصري (العربي) في المقام الأول الأديب عبدالفتاح صبري، ابن المنصورة بجمهورية مصر العربية.
كأني به وهو يرسم ذاكرة النهارات، يشدذُ من حبل عافيته ليعيد إلى الآخرين ما فقدوه.. قد يكون درباً ضيقاً وقد تكون أحرف لها من ذهب الأرض طيبة وحياة، قلّ مثيلها في زمن اكتظت حاناته بالعربدة وبالسقام الذي قد يفتك بالأحبة من دون واعز من الرشد في زمن الركض وراء السراب.
أبويٌ، يجاور الآخرين بصدقهم، ويفرش الأرض بالرياحين لكل خُطى تقدمت نحو ظله، يفتح الطريق على أوسعه، مجاوراً ثلة المحبين من الخيرين.
هو ذلك المؤمن بأداء رسالته التي خبر عبرها: ان للطين في مواقع القدم عافيتها، فتقدمت لتشعل الوشيعة بالشموع وترمي ببذور زهرة الزعفران للقلوب التي تعرف ما للأدب من قيمة في حياة البشرية، وما للثقافة الناصحة للحب من حياة، تكبر على أرضها مدنٌ تعشق النماء، كمثلها مدينة «الشارقة».
في هذه المدينة سلك الأديب دربا هو يعرف مسبقاً انه الدرب الذي يحفر في الخريف حياة تدفع به نحو الربيع، قائدا الآخرين نحو جادة الصواب.
بين ربوع هذه المدينة تمسك بالخيرين من الأدباء والمثقفين الذين أعاد بصحبتهم البوصلة ليجمع ما فُطر عليه من عادات وتقاليد اجتماعية في مدينته «المنصورة» بمصر، تلك الحوامد التي ظل محافظاً على أصالتها، أسس عبرها لغته العالية الأدب، اللينة في العناق الحميمي والجامعة للأدب والثقافة المحفز للمعرفة والبحث في الإبداع.
سنوات مضت من معرفتي به ومازالت علاقتي شديدة بصحبته، تنمو على غصن ورود المحمدي، متمسكٌ به إنسان يدفع بالخير ويفتح أبواب قلبه لكل ما هو ثقافي يعانق الطيبة ويتمسك بأعواد بخور الخيرين من البشر ولا يدير ظهره عن مد يد المساعدة لمحبيه.
أسأل الله أن يمد في عمره، لأن الشواهد التي أسس لها عبدالفتاح صبري، بقيت مآذن لا يغيب عنها صوت الذكر في أبعاد كل نتاجاته القصصية والروائية والشعرية والبحثة والنقدية التي هي اليوم تلوّح لقرائها من على أرفف اكبر المكتبات العربية والخليجية.
فمن الصدف الجميلة التي قادتني به كأديب قبل معرفتي به قراءة روايته المعنونة «الغربان لا تختفي أبداً» الصادرة عام 2000 عن مركز الحضارة العربية للنشر، والتي مكنتني أيضاً من البحث عن أدبيات أخرى له، فاهتديت لقراءة مجموعته القصصية الثانية المعنونة «حكاية أنثوية» الصادرة عام 2005 ومجاميع أخرى من أدبه في كل شؤون الأدب والثقافة.
ويظل بيننا ذلك الخيط المشدود القادم من البرق ليأذن للمطر بالسقوط فوق كل تربة عطشى، كونها أبعاد ضوء آنستُ فيك الرجل الصدوق الذي فُرض على قراءة أدبياته واحترامه بمقدار محبتي لكل ريح لا تخطئ النسيم في معدن الرجال، كونك، كتابا عميقا مفتوحا للقراءة على الورد التي حملتها رائحة الزمن الجميل العالق بشذى من الورد في زمن الجذب، والحكايات المتخاصمة!
أديب وباحث في أمور الثقافة والأدب وكاتب جر النقاد نحو تجربته ولاتزال هناك محطات في أدبه الإنساني بحاجة الى القراءة والتعمق في سيرته الإنسانية والأدبية، وهذا قد يجرني لدعوة المهتمين بدراسة سيرته الأدبية منذ أول شرارات الموهبة، فبالتأكيد سيقفون على الكثير من تلك الشذرات الطيبة التي لم يقرأوها من قبل في تجربته، تحفزهم للكتابة والدراسة المعمقة عنه، منذ كان عبدالفتاح في أول خُطَى الحرف إلى ان رسا في عمق درر السيرة الأدبية للإنسان والمكان وأبعاد أخرى ارتبطت بتجربته الطويلة وهو يحفر في صخر الثقافة والأدب من دون كلل، وبصمت هادئ.
a.astrawi@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك