الرأي الثالث

محميد المحميد
malmahmeed7@gmail.com
الضريبة الخليجية وثقافة المستهلك
كنت قد سألت عددا من الأصدقاء الخليجيين عن تأثير زيادة الضريبة على قوة الشراء لديهم، ومدى تغير ثقافة الاستهلاك عندهم، وخاصة أن بعض الدول الخليجية هناك تطبق نظام الضريبة بقيمة 15%..؟؟
لكني فوجئت حينما وجدت أن الجواب يقول: إن الثقافة الاستهلاكية لا تزال لم تتغير لدى شريحة كبيرة، على الرغم من زيادة قيمة ونسبة الضريبة..!! عندها أيقنت أن الثقافة الخليجية الاستهلاكية تحتاج إلى مزيد من الوقت.
ولطالما تناقلنا صورا لعدد من أشهر الأثرياء الأجانب «أكلهم ولبسهم ومكان تسوقهم» مقارنة بصورة المواطن العربي العادي في «أكله ولبسه ومكان تسوقه»، وكانت النتيجة أن الأثرياء هناك لا يعينهم سعر الأكل واللبس والتسوق، بقدر اهتمامهم بنوع الأكل واللباس والسوق، ولربما كان صرف الأثرياء أقل مما يصرفه غيرهم، وبالتأكيد يدخر الأثرياء أكثر مما يدخره غيرهم.
في يوليو 2014 ذكرت إحصائية للبنك الدولي أن مملكة البحرين جاءت في المرتبة 26 عالمياً من القوة الشرائية، ولذلك أسباب عديدة، منها حرص الحكومة الموقرة على الالتزام بالاستمرار في الإعفاءات للسلع الأساسية والقطاعات الأساسية للمواطنين، بجانب مشروع «الضمان الاجتماعي» الذي يساعد ذوي الدخل المحدود، بالإضافة إلى الرقابة المستمرة على الأسعار والسلع والبضائع.
بالأمس القريب اطلعت على ما كتبه الزميل «عبداللطيف الضويحي» من السعودية، حيث أشار إلى أن من غايات وأهداف فرض الضريبة والمحافظة على القوة الشرائية في أي دولة، بجانب زيادة الإيرادات العامة، هو هدف سلوكي، يتعلق بالثقافة الاستهلاكية لدى الناس في المجتمع.
فلا تزال شريحة كبيرة من المواطنين الخليجيين، وفي ظل وجود الدعم الحكومي للسلع الأساسية، يواصلون في الممارسات الاستهلاكية، من شراء أمور بنفس الحجم والكمية بذات السلوك قبل فرض الضريبة، مع غياب التخطيط المسبق والمتقن قبل الدخول للأسواق والمجمعات والمراكز الكبرى.
يؤكد الزميل «الضويحي» أن الهدف الآخر الذي يمكن تحقيقه من خلال الضريبة وبالتخطيط الجيد، هو إحلال ثقافة الإنتاج محل ثقافة الاستهلاك، وهذا يتطلب دراسة وحملة وتخطيطاً كذلك، وقبل ذلك قناعة راسخة وإيماناً عميقاً بأن الثقافة الاستهلاكية هي آفة الثقافة الإنتاجية وأنه لا يمكن أن يستعيد الإنسان هنا ثقته بقدراته الإنتاجية، ما لم يتحرر من القيم الاستهلاكية أو أغلبها، كما أنه لا يمكن تطوير الموارد البشرية في دولنا الخليجية، بالاعتماد فقط على التعليم والتدريب في ظل إهمال ثقافة الإنتاجية.
ولا بد من توظيف الضرائب في التأسيس لثقافة إنتاجية، عمادها اليقين بأن الموارد البشرية أهم وأبقى وأمضى من الموارد الطبيعية والموارد المالية، وأن الاقتصاد الريعي مهما طال أمده، ومهما اتسع نطاقه، لا يمكن أن يصنع إنساناً منافساً، ولا يمكنه أن يبني اقتصاداً متيناً، ولا يمكنه أن يؤسس لتنمية شاملة ومتجذرة.
عموما.. أدرك أن تغيير نمط الاستهلاك، وتطوير وتشذيب سلوكيات الشراء، قد تكون صعبة المنال في الفترة القصيرة، ولكنها ثقافة مجتمعية تستوجب الالتزام، وستفرض نفسها على الجميع بعد فترة، وهي بحاجة إلى أن نعززها في مجتمعاتنا الخليجية بكل الطرق والوسائل.
إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك