(مدركٌ يا سادة..
إن بين الأسود والأبيض حرفا
يكتبنا أيها المارد في تقويم اللغة
ويتركنا فعلاً في كل محطات الأرض..
عازفاً فوق تراب الهدهد، رقصة بلقيس
وحكمة سليمان في مملكة النمل)
تلعب الثقافة في حياة المجتمعات دورا رئيسيا في تشكيل المجتمع وبنائه, حيث تعد الثقافة العامل المؤثر في تجارب الأفراد والمجتمعات.
فالثقافة تمنحنا الإحساس بالانتماء في المحيط الذي نتفاعل فيه كأفراد ومجتمعات وتقودنا نحو الهدف الذي يجمعنا برباط، قد تكون اللغة الواحدة وقد يكون الوطن الذي هو أشمل في اعتقادي من اللغة، لأنه يوحدنا تحت تربة واحدة من دون فوارق اللون أو الاختلافات الأخرى.
فحينما نتأثر بشيء ما لا يعني أننا من دون وعي ثقافي جامع قادنا إلى التأثر، بل عكس ذلك من الوعي تكون القيم التي تجمعنا قوامها (الثقافة) لكون الثقافة هي الرباط الذي يشدنا ببعض نحو جذر صلب متمسك بالتربة نعيدُ عبره تقويمنا وفعلنا النشط في بناء علاقاتنا بالآخر الذي قد لا ينتمي إلى لغتنا أو تربتنا لكنه ينتمي إلى إنسانيتنا.
من هنا قد أرى أن الثقافة هي الشمول الذي يحول دون اختلافاتنا أو خلافاتنا الاجتماعية.
فالثقافة من منظوري هي التي تعانق فينا إنسانيتنا من دون اختلافات ما لا نعرفه في البعد المنفصل عن الثقافة في عالم هو أصدق في تعامله مع الثقافة ضمن مفهوم الآخر من حيث القيمة والعمل.
فالشمولية التي تتصف بها الثقافة هي شمولية فاعلة في الحس الإنساني وعلى ما تحتويه من أهداف تربوية، أدبية، ذات فلسفة تكوينية عالية المفهوم والتطبيق العملي، عبرها ينطلق الجدل فاعلا في بلاغته في الجنس البشري متجاوزا الحدود الجغرافية للأوطان.
وبين هذا التكوين الفطري يتصل الإنسان بأخيه الإنسان من قاعدة ثابتة يكون عبرها التاريخ متصلا بالحياة عملا ودراسة.
فلا يمكن فصل الثقافة عن الأدب, لكونهما في ميزان واحد وإن تعددت مشارب أهداف الإنسان الثقافية، فلا يعني أن الثقافة لوحدها قادرة على الإبحار من دون الوعي الشامل المتصل أولاً بالمفهوم العام لمعنى (الثقافة كمبدأ) وبالأدب كنوع متفرد من مادة الثقافة لكونه يربط بين الهدف الذي لا يحيد عن الثقافة ولا يغامر نحو ما يفسد الأدب، ضمن الشمولية التي يُعرف بها المثقف.
فالمتعارف عليه من قبل علماء الثقافة: «إن الثقافة تعد مفهوماً مركزياً في الأنثروبولوجيا، يشمل نطاق الظواهر التي تنتقل من خلال التعلم الاجتماعي في المجتمعات البشرية».
كل هذا يقودنا نحو سلوكنا الإنساني ضمن مفهوم واحد يربطنا بكل ما هو فاعل في حياتنا التي هي في الأساس قد تكون عادات بشرية لكنها عادات ذات رسائل عدة في معناها, فالإحساس بالكتابة وبالعزف والغناء والإنشاد والرسم والتمثيل والمنطق والفلسفة والخطابة والشعر والموسيقى والنحو والكتابة هي في الأساس مكونات دافعها الأول ثقافي شمولي وليس من فرد، ضمن منظومة يتبعها الفرد من خلال انتمائه إلى الكل (المجتمع).
حاجات ملحة في حياتنا نريد منها أن تبعدنا عن الضجيج الذي يقتل فينا أحاسيسنا ويفرقنا عن الثقافة بمعنى الحياة والأدب المتصل بنبض القلب الفاعل ضمن محيط محبيه وضمن ملكة قد يتملكها الأفراد من خلال إرهاصات واقع اجتماعي غير ثابت الحراك.
ومهما اختلفت الثقافة مع شمولية مفهوم الأدب الخلاق, فلن يقودنا هذا الاختلاف نحو ذبح بعضنا أو انفصال سرتنا عن المشيمة في أول التقاء صرخة طفولتنا بالحياة.
فالانفصال عن الثقافة بمعنى الذهاب نحو الفتك، نحو ما يعادي الثقافة أي (الموت ضد الحياة) يعارض فطرتنا التي فطرنا عليها ضمن بياض لا يعرف للسواد معنى. بمعنى أن نشعر بالإحساس وبمسؤولية بعضنا وحاجتنا إلى الحب والحياة من دون مزامير أو طبول الاختلافات المؤدية إلى الفرقة التي هي في أساس مكوناتها السياسة القاتلة للجمال وكل ما هو متجذر في بصيرة الأدب كفعل جميل وحنون ودون العمل به في محيط عالمنا المكتظ بالصراعات البعيد عن جذر الثقافة، مفسدة ستضيع بأكثرنا وتتركنا للشتات.
فالأدب هو الرسالة التي ولدت من رحم الثقافة الفاعلة في السلم وفي مدائن لا تعرف من العمل سوى الحب في عالم نريد له أن يعيش ويعيّشنا في سلام الكلمة من أجل الإنسان ضمن خلية الإبداع والتطور في شتى مشارب الثقافة الفاعلة في النماء وتطور الآخر.
a.astrawi@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك