كان غسق الليل مطرزا بقليل من النجوم المتلألئة.
في حقل الحيوانات يسود هدوء قلق.
وعقارب الساعة تجري بثقلها إلى منتصف ليل فاحم..
لكن لا أحد نااام حتى هذا الوقت المتأخر، بعد أن سرت شائعة.
التنين سيتسلل إلى الحقل؛ ليسرق الأحلام السعيدة.
بحلقت الخراف عيونها ذعرا، وتوقدت كجمرة في الظلام، برغم التعب الذي يدبّ في مفاصلها.. بينما همست الدجاجة البيّاضة لرفيقاتها:
انتبهن للبيض، فالبيض هو كل شيء بالنسبة إلينا، ولا قيمة لنا من دونه.
كأكأت الدجاجات بصوت مرتفع؛ لتؤكدن يقظتهن.
ثم أردفت الدجاجة الصفراء: آه ..ليتني أستطيع أبيض أكثر! ما أجمل الكتاكيت يمشين حولي! بينما وقفت حمامتان منقطتان فوق سارية الحقل، نفشتا ريشهما، وتراقبان بيقظة وحذر كل نأمة وحركة تحدث في فناء الحقل.
همس الكلب لزوجته الحسناء: احذري أن تغفو عيناك، فربما يسرقون جراءنا الصغيرة. سيكونون حراس الحقل حين يكبرون.
رمشت بعينيها، وهي تضمّ صغارها، وقالت بصوت خفيض: لا عليك، لا يطاوعني قلبي أنام والخطر يحدق بنا.
فقط الخنازير السمينة حينها غطّت في نوم عميق، وشخيرها يقضّ مضجع جميع الحيوانات المذعورة. لكن لا أحد يتجرأ على إزعاجها وتعكير مزاجها، حتى حمار الحقل يتهيّب النهيق خوفا من غضب تلك الخنازير الغليظة.
ينبس بعضهم متكتما: الخنازير حيوانات تعيش بلا أحلام.
كانت معاول الخوف تصدّع قلوب الحيوانات، من دون أن يكون في مقدورها صنع شيء! فالعدو الذي سيسرق أحلامهم سيهجم بغتة وفي أي وقت، ربما يكون كالتنين فعلا أو كالشبح. ردّد الحصان ذلك ببلادة.
صعد القط الأسود على صندوق خشبي، وقال: أيها الأخوة، لو نضع خطة للدفاع عن أحلامنا قبل أن يهجم علينا سارق الأحلام!
لا أحد أعاره اهتماما مطلقا، لكن الحمار ضحك، وتمتم بعد حين: إنه تنين ضخم، ضخم، هل تفهم؟ كيف نتمكن من محاربته، يا لك من قط غبيّ!
فكر الأرنب الوحيد في الحقل بحفر نفق كبير تحت الأرض؛ ليهرب الجميع من سارق أحلامهم. لكن الحمار نطق ثانية ساخرا، وهو يهرش أذنيه الطويلتين: كفى هراء أيها الأرنب العنيد، ستحرقنا نار التنين قبل أن نحفر نفقك، ولن نمسك أحلامنا للأبد.
وما فتئ الخوف يقرض قلوب الحيوانات الهشة بلا رحمة، وأطرافها ترتعش كلما أخنس الليل، والصمت يخيّم في الحقل كمقبرة.
كان الديك الرومي منعزلا في مكانه بالقرب من قنّ الدجاج. منذ ماتت زوجته أصيب باكتئاب حادّ،! فهو نادرا ما يخرج من حظيرة الطيور،
ولم يعد يتكلم مع أحد بتاتا، حتى يظنه من يراه لأول مرة كالأطرش، برغم حنجرته الذهبية ومزمار قصبته الشجية، وما انكفأ على هذا الحال البائس.
همس وكأنه يناجي نفسه بعد أن رأى حيوانات الحقل في مغارة صمتهم وبتلك الحالة المزرية:
هل سيسرق التنين أحلامي أنا أيضا؟؟
قهقه بصوت عال، ولأول مرة تسمع الحيوانات ضحكته الساخرة تلك.
مسكين.. الموت أرحم له.
قال الخروف ذلك، وهو يرغو بعصبية.
غيّر الديك الرومي جلسته، وهزّ عرفه بطريقة طاووسية، وسأل نفسه:
لكن في الحقيقة، هل عندي حلم؟
وانفجر باكيا ودموعه تسح على خديه، وقد تذكّر زوجته الراحلة، لكنه بعد قليل أحسّ براحة، كما اعتقد «لأول مرة ينبت لي حلم، ولن أكون مختلفا عنهم، لو رحلت إلى زوجتي فمن المؤكد أنني سأكون سعيدا، لا حلم يضاهي لقاء الحبيب».
واختلط بكاؤه بضحكه بحال مثير للشفقة.
شرع الليل يزحف، والتعب ينال منهم.. وبعد حين استسلم الكثير منهم إلى سبات عميق.
وانفتحت بوابات مدائن أحلامهم على مصراعيها، رأوا أحلامهم كما هي،، لم تتغير أحلامهم قيد أنملة.
كبرت الخراف الصغيرة، والكتاكيت دثرها الريش، وملأ بيضها سلال القصب. وفي ناحية من الحقل وقف ثلاثة حراس من الكلاب الفتية يحرسون حدود الحقل بشراسة كالذئاب.
حين استيقظوا في الصباح افترشت وجوههم إشراقة فرح، وراحوا يتاهمسون بأن أحلامهم لم تسرق، والتنين الكبير لم يأتِ؛ ليسرق أحلامهم.
لكنهم لم يجدوا الأرنب الأبيض، لقد حفر نفقا في الأرض، ولاذ بالفرار من الحقل؛ ليعانق حلمه بالحرية في البراري الواسعة، بعد أن كتب على حائط حظيرة الطيور:
لا أحد يستطيع سرقة أحلامكم، إذا تحررتم من سجنكم الداخلي، فالأغبياء فقط يصدقون بأن الأحلام تسرق.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك