خاطرة

عبدالرحمن فلاح
العبقري!
«لم أر عبقريا يفري فريه!» هكذا قال عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيما رواه الإمام البخاري في صحيحه، فعن عبدالله بن عمر (رضي الله عنه) عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (أُريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب، فجاء أبو بكر فنزع ذنوبًا أو ذنوبين نزعًا ضعيفًا، والله يغفر له، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غربًا، فلم أر عبقريًا يفري فريه حتى روى الناس وضربوا بعطن).
وفِي معنى الحديث إشارة إلى قصر مدة خلافة أبي بكر وطول خلافة عمر، يقول شارح الحديث: وتأويل هذا ما حصل من طول خلافته -أي عمر رضي الله عنه- وما كان فيها من فتح وخير.
أيضًا في الحديث إعلام بخلافاتهما، وصحة ولايتهما، وكثرة الانتفاع بهما. ولقد كان أول عطاء لأبي بكر عند توليه الخلافة حماية الإسلام، والذود عن حياضه حين واجه المرتدين الذين نقضوا أيمانهم وعهودهم مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ومن عطائه رضي الله عنه أنه ثَبَتَ المسلمين حين قال لهم: من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم تلا عليهم قوله تعالى: «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئًا وسيجزي الله الشاكرين» (آل عمران: 144)، قال عمر عند سماعه هذه الآية: كأني أسمعها لأول مرة!! وكأن الله تعالى قد حجب دلالتها عن المسلمين حتى لا يشغلهم الخوف على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الدعوة إلى الإسلام، وحماية بيضته.
أما عن العبقري الذي شهد له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالعبقرية فإنه وضع لبنة في بناء الدولة العظيم حين بادر إلى مبايعة أبي بكر الصدِّيق خليفة للمسلمين فحمى دولة الإسلام التي أقامها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في المدينة المنورة من فراغ سياسي كان من الممكن أن يحدث بوفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وهذا يكون سببًا في زوال الدولة الإسلامية وهي لا تزال في ريعان شبابها.
إن الخطوة المباركة التي أخذها عمر بن الخطاب، وهي خطوات ليست غريبة على الرجل الذي وصفه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالعبقري، رغم جرأتها فإنها كانت ضرورية لملء الفراغ السياسي الذي كان من الممكن أن يحدث بغياب مؤسس الدولة الأول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بموته، وأيضًا في غياب النص الديني إذ لو كان موجودًا لحسم الخلاف في السقيفة حول من الأحق بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في خلافة المسلمين، فجزى الله تعالى عمر بن الخطاب خيرًا حين ألهمه الله تعالى في كيفية إدارة الخلاف حول من هو الأحق بخلافة المسلمين، فقاد سفينة تداول السلطة في سلاسة وأمن وأمان.
إقرأ أيضا لـ"عبدالرحمن فلاح"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك