أطـلق الكاتب والقاص الروائي أحمـد المـُـؤذن إصداره القصصـي الجديد، قد عنونـهُ بـ«شيءٌ مـا مثقـوب» عـن دار يافـا العلمية للنـشر والتوزيع / الأردن، وبسبب ظـروف جائحـة كورونا - كوفيد، شاءت الظروف ظهور الكتاب متأخـرًا عن موعـده, فصدر في ديسمبر 2021 من العام الفائت.
جاءت المجموعـة القصصية في ترتيبها السادس في مسيرة كاتبٍ عُـرف بنشاطـه على المستوى المحلي, فتضمنت ستة عشر نصاً قصصيًا توزعت على 164 صفحة, أخذ الكاتب على عـاتقه معالجـة قضايا اجتماعـية ومطبات حياتية تتخذ من مسار الأحـداث لغـة الإرباك واللعب على التناقضات التي تعصف بالبشـر, فكل قصة هناك ثقـبٌ مـا يتجلى من خلالـه ما يفوت أذهاننا في زحام الحياة وانشغالاتها, فيستعرض الكاتب قدرته في الرصـد, ينتقل ما بين شخوصـه, يعري أوجاعها تارةً ثم يتيح لها فسحـةً من الخيبـة أو الألم وسـط رياح التغيير.
تتسم القصص الواردة بطولها النسبي لكن خيط السرد فيها مشبع بالترقب والقلق والتشويق متضمنًا تلك اللغة الأنيقة التي تميز عطاء الكاتب، والقارئ المحلي لاشك سيكتشف هذه المجموعـة والتي ستشارك ضمن معروضات جناح دار يافا العلمية في الدورة القادمة من معرض البحرين الدولي للكتاب هذا العام.
جمالية القصص الواردة يمكن إيراد مثال سريع منها كنموذج حاضر من قصة (لي أنا فـقط - ص 7) وهي كالتالي:
(أعرف وقت اجتماعهما، العصرية يصير بيت خالتي هادئاً وخالياً. هما فقط تجلسان في المطبخ، اللحظة التي أدخل فيها، لا تكترث حنان بلبس مشمرها* أو ستر ساقيها الطويلتين عني. تبتسم بوجهي... «هلا حمودي»، ثم تنقل (قلم / قصبة القدو) * إلى رفيقتها فاطمة ابنة خالتي، فتتشاركان التدخين سرًّا كما تعودتا معًا. دقائق ثم تأخذ حنان دورها في التدخين، تندلع من فمها الصغير غُـيوم دخانية كريهة الرائحة. أسد أنفـي أمامها بينما فاطمة تضحك وقد نهضت لتدخل إلى الحمّام.
أراقبها هذه المخبولة وهي تُدخّن، بصراحة كنت أنتظر الهِباتِ اللذيذة التي تعطينيها حنان، طيّبة ولطيفة ولا تنسى «أبو رميت أو حبّات الَمْلَبَّسْ»، أتلذّذ بالطعم حينما تملأ كفيّ بتدفّق كرمها. لكنها بدلاً من أن تعطيني ما أتلهّف عليه، طلبت مني أكثر شيء أكرهـــهُ فيها. تريدني أن أقف حتى أنفخ الهواء على رأس القدو، كرات الجمر عندما لا تتوقّد ويفرقع شرارها، تفسد متعة التدخين، هكذا تدَّعي.
تحت إلحاح عينيها العسليتين، أنفخ على جمر القدو، أراها تتهلَّل فرَحًا، تعود لتكرِّر كلمات لا أفهمها... «أنت جمر روحي والدنيا في غيابك عذاب»! سرعان ما تتحوّل إلى النقيض، تبكي فـلا أعود أفهم منها شيئًا، تحضنها فاطمة فتعزفان لحنهما الغريب معًا! أستفسر ولكنهما تبتسمان بصمت. أحيانًا يكون الجواب غير ذي جدوى، كأن تجيب فاطمة: «عندما تكبر ستفهم».
تمرّ الدقائق ثم تستعيد حنان حيويتها، تثرثر وتضحك كأن شيئاً لم يكن. تتناوبان التدخين من قدو جدتي بينما أنا أحفظ الـسرّ، كما أتحمّل رائحة التبغ المحروق. حنان عندما يزداد حماسها للتدخين، أجد كرات الجمر تتوقّد أكثر كلما أخذت نفسًا طويلاً قوياً يتلاءم مع شبابها الفائر. تدخّن بسعادة وترفع معها هذا الشيء ترقص معه كما لو كان أميرها في لحظة نشوة وجنون! لا أعرف ما الذي يعجبها أو يجعلها سعيدة وهي تنفث هذا الدخان الكريه.
تتبادلان النظرات وكأنّ هناك شيئًا تخفيانه عني. فاطمة أخذت تتفقّد الباب الخارجي ثم جاءت وهي تهزّ رأسها. فجأة برز المفتاح من بين حمّالة صدرها، فتحت باب حجرة ناصر وحنان تدخل الحجرة لا يسع العالم فرحها. لا أدري ماذا ستفعلان هنا بحجرة ناصر. حنان لم تستقر عيناها على شيء من الحجرة، كانت مشتتة ثم... شمّت رائحة سريره وقبّلت صورته بينما فاطمة تهزّ يدها وتشهــق، «حنووون يا الشيطانه زودتينها، خطيرة من تحت إلى تحت».
اكتفت حنان بالتبسّم خجلًا ثم خطفت زجاجة عطـره وتعطّرت كأنّها في عالم آخر).
وهناك ثمة مشاريع أدبية أخرى في برنامج الكاتب والقاص البحريني أحمد المُؤذن في العام الحالي 2022, ومن ضمنها على سبيل المثال مشروع كتاب مشترك يتناول الحكاية الشعبية في قرية كرزكان بالاشتراك مع الباحثة والكاتبة أمينة الفردان.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك