هو الفنان صورة لواقع يعيش في ذاكرة حالمة تسيخ في المعنى، تبحثُ من بين الصلب عن شيء يتوالد في ملتقى جسد الحياة، يشاغل الورق في اللوحة المصقولة بالألوان، نحو انشغالات تمدُّ للريح عافيتها وتعيد للعين بصيرتها في موقع الحدث وتقدم أقدام الريشة في دماء موقع الحبر.
ولأن الفن من وجة النظر الفلسفية: «يعد شكلا من أشكال الوعي الاجتماعي والنشاط الإنساني يعكس الواقع الذي يعيش فيه المجتمع، فنجد أن الفنون المنتشرة في كل دولة تعكس ثقافتها وتاريخها».
ويرى الفنان العالمي بيكاسو في تعريفه الفن: «أن الفن ليس الحقيقة، إنه كذبة تجعلنا ندرك من خلاله الحقيقة، ويرى أيضا أن الفن يمسح عن الروح غبار الحياة اليومي».
ويرى أيضاً الفنان النمساوي غوستاف كليمت: «أن من أراد أن يعرف شيئاً عنه كفنان يتوجب أن ينظر إلى لوحاته بتمعن ليعرف من هو وماذا يريد؟».
حول ذلك المعنى من اللوحة لدى الفنان التشكيلي، انطلق مؤخراً للفنانة التشكيلية الشابة منى العرادي معرضها المعنون «ورق من ذهب» والذي أقيم في المرفأ المالي في منتصف ديسمبر الماضي 2021 واستمر حتى السادس من يناير 2022 حاملا اسم أكثر الوسائط الفنية استخداماً في فن غوستاف كليمت.
وحول سؤال وجهناه إلى الفنانة عن الوقت والمدة التي قضت فيها العمل في إعداد لوحاتها، قالت منى العرادي: أتممت العمل في إعداد 31 لوحة خلال فترة الحظر الذي فرضته جائحة كورونا وما بعدها ما بين (مارس 2020 إلى سبتمبر 2021) .
*وعن الرؤية التي قادتها نحو تنظيم معرضها الشخصي في المرفأ المالي قالت:
- نظمت معرضي الشخصي الأول بالتعاون مع مرفأ البحرين المالي حيث تم الاتفاق على عرض أعمالها في بوابة المرفأ بالطابق الأرضي والذي يفتح أبوابه للزوار يوميا من التاسعة صباحا وحتى السابعة مساءً.
* وعن تقسيم أعمالها الفنية أوضحت:
- تنقسم الأعمال المعروضة إلى 5 مجموعات متباينة: (1) الأعمال المستوحاة من فن كليمت والتي تمتاز بالخامات الذهبية (2) الرسم بالخطوط حيث يغلب طابع البساطة على اللوحات (3) محاولات التجريد بالألوان للشخوص والمشاعر (4) الخط في متاهات هندسية، وأخيراً (5) التراث البحريني من ذاكرة التسعينيات وقد تم بيع 12 لوحة من الأعمال المعروضة حتى الآن.
*وفي ظل ميلها إلى استخدام الألوان وتحريها ضمن أبعاد اللوحة أكدت منى العرادي للثقافي موضحة:
- أميل إلى استخدام الألوان المائية والخامات المتعددة على الورق المتوسط الحجم وتستند أعمالي في البعد التشكيلي على قصص الحياة، الكتب، الطبيعة، الموسيقى، الهندسة المعمارية، اليقظة الذهنية، الحضارات المختلفة والإلهام من الفنانين المحليين والعالميين.
*وعن عملها في القطاع المالي أشارت:
- عملت في القطاع المالي مدة تقارب 14 عاما حتى استقالتي للتفرغ التام للفن والكتابة.
*وعن تجربتها مع المشاركات في المعارض التشكيلية أشارت قائلة:
- أول مشاركة فنية كانت لي في معرض الفنون التشكيلية السنوي 2019 ثم تبعهما هذا العام في معرض «من أجل فلسطين» في «عكاس غاليري»، ومعرض «اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة» والمنظم من قِبل «آرت سين والاتحاد النسائي البحريني ولفل فايف» في مدرسة رفاع فيوز الدولية.
*في الفترة التي اشتدّ فيها وباء كوفيد (جائحة كورونا) ماذا كنتِ تعملين؟
- خلال جائحة كورونا أنشأت منصة تعليمية للفنون تحت مسمى مهارات للفنون والأشغال اليدوية وأعمل حاليا على إنهاء كتابي الأول.
* ما الذي أردت من فن الرسم؟
- أردت أن أجمع بين الكتابة والرسم لا لنية الوصول دوماً من دون نية اللقاء.
* من هم أبطال أعمالك؟
- في جميع أعمالي الفنية وكتاباتي «غير المنشورة حتى الآن» أبطال ظلال ينقذونني من دون أن أعي، من دون أن يعلم أحد أيضاً. هذه الأشياء تحدث بطريقة لا يفهمها العقل ولا القلب. ربما في الوعي الذي يغفر للذات والأشخاص وحقيقة أن الأبطال الحقيقين في معظم الفنون والكتابات يأتون على هيئة ظلال: الراحلين، الغائبين، التائهين، الأسقف التي حبست الأحلام لتصير نجوماً بعيدة، أمنيات السماء لمخلوقات بلا أجنحة، في مطلع قصيدة مباركة، في الوجوه الأحب، في الأصوات الأدفأ وحقيقة أن هذا ليس حزناً فوضوياً بل حزنا مرتبا منذ أعوام الطفولة حتى أعوام الاعتياد لتمتد شجرة عظيمة بالأسماء والأصوات والتفاصيل، شجرة صوتها عذب ومالح في آن، وكأنها ابتلعت حزن بحر كامل لتثمر سُكراً. منذ حلول كورونا ضيفاً ثقيلاً على العالم صارت الأيام مادةً واحدةً لا قياس لها منذ محدودية المكان الذي استقر فيه. أيام متشابهة وأماكن متشابهة كأنها سقوط في ثقب بالفضاء. تكرار آثم لا يشبه شيئاً عشته. نمط يعيد تاريخه إلى الحد الذي لا تتنفس فيه الموهبة بشكل سليم. ثم تبدأ ذاكرتي باستعادة الفنون التي أحبها: الترميم بالذهب، غوستاف كليمت، ناصر اليوسف والكثير من التفاصيل اليومية الصغيرة التي تغذي بصيرتي وبصري مع العبارة التي لازمتني لأعوام طويلة من معرض الراحل المخضرم التشكيلي ناصر اليوسف: «الفنان الصادق الذي ينتج من دون أن يضع أمامه نوع المدرسة أو اسمها.. من المفترض أن ينظر إلى العمل الفني على أنه عمل ذاتي بحت يصدر ويتكون عن طريق معاناة معينة.. جهد معين.. فكر معين.. وقت معين».
قد نَهزم الزمان والمكان، قد نُهزم أمامهما أيضاً.. لكن إتمامنا لهذه الرحلة لن يتركنا كما كنا.
أخيراً، تصل الصورة إلى موقع الحدث لتمتد إلى عمق الحياة، تصلي ببسملة العارفين بتقوى الله السائرين عن بصيرة تنقذهم من الألم، تعيدهم عبر ريشة تغمس حبرها في جرة الأمل مرة وفي جرة الحياة دائماً بالأمل .
الفنانة منى العرادي تفضح نبض قلبها لتؤكد أن في اللوحة تبصر المعرفة وفي الكتابة تعيد المسألة إلى واقع بدء الحياة .
فنانة شابة صقلت موهبتها بالأمل والإصرار على أنها تصل، وهنا وصلت لتقول: ها أنا واقعة بين بطلين الحبر من الورق واللون من اللوحة في المخملي المصقول بالتعب والأمل نحو نشل سرة الوليد من المشيمة والتي تعني أول صرخة من الولادة وأول ساعة من الصراخ في بصيرة الحياة .
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك