ضمن جهودها لحشد الدعم الإقليمي والعالمي لمؤتمر «دعم استقرار ليبيا» والذي من المقرر انعقاده في الحادي والعشرين من أكتوبر 2021 قامت نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية الليبية بجولة خليجية ابتداءً بالمملكة العربية السعودية ومرورًا بدولة الكويت وانتهاء بمملكة البحرين، ووفقًا للتصريحات الرسمية الصادرة عن المنقوش ونظرائها في الدول الخليجية الثلاث هناك تفهم ودعم كبير لضرورة العمل على تنفيذ مضامين ذلك المؤتمر الذي يعد أول مبادرة تطلقها حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا لتحقيق الاستقرار على كل المستويات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية وذلك استنادًا إلى مخرجات مؤتمري «برلين1 و2» وقراري مجلس الأمن رقمي 2570 و2571.
وبعيدًا عن الخوض في مسببات ومسارات الصراع في ليبيا والتي ربما تكون معروفة للجميع فإن حرص المسؤولين الليبيين على دعوة الدول الخليجية إلى أن تكون طرفًا داعمًا في تحقيق الاستقرار في ليبيا لم يأت من فراغ، حيث إن التحولات التي تشهدها ليبيا - كغيرها من الأزمات الإقليمية - جزء من واقع جيوسياسي جديد آخذ في التشكل أبرز سماته انتهاء الحدود الفاصلة بين مستويات الأمن الوطني والإقليمي والعالمي، وبالتالي تغير إطار الأمن الإقليمي من مفهوم «دول الجوار» إلى «جوار الجوار»، ويعني ذلك أن دول الخليج العربي أضحت جزءا من التفاعلات في شرق المتوسط عمومًا من خلال عدة مؤشرات أولها: انضمام دولة الإمارات العربية المتحدة بصفة مراقب في ديسمبر 2020م إلى منتدى غاز شرق البحر المتوسط والذي تستضيفه مصر، وثانيها: عضوية بعض الدول الخليجية وهي مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في منتدى الصداقة «فيليا» الذي تم تأسيسه في العاصمة اليونانية في فبراير 2021م ويضم أيضًا كلا من مصر واليونان وقبرص وفرنسا ويستهدف تعزيز التعاون بين دوله الأعضاء من أجل توطيد السلام والاستقرار والأمن في المنطقة، وتأكيد رفض التدخلات الخارجية في شؤون دول المنطقة، وثالثها: مشاركة كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في تمرين عسكري مشترك مع اليونان ومصر في 22 سبتمبر 2021م، ووفقًا للبيان الصادر بهذا الشأن فإن ذلك التمرين قد استهدف «تعزيز التعاون المشترك بين الدول الشقيقة والصديقة، وتبادل الخبرات والمفاهيم، ورفع مستوى الجاهزية القتالية لمواجهة التحديات الإقليمية بالمنطقة وهي مؤشرات تمثل مرتكزًا مهمًا لدور خليجي فاعل تجاه ليبيا».
ومع التسليم بأهمية المؤشرات السابقة فإننا نجد لها ما يبررها في ضوء ثلاثة تحولات مهمة الأول: أن بعض دول الخليج العربي أعضاء مبادرة إستانبول قامت بدعم عمليات حلف شمال الأطلسي «الناتو» الذي تدخل عسكريًّا في ليبيا عام 2011 تحت اسم «عملية الحماية الموحدة» وبموجبها تمت الإطاحة بالنظام الليبي السابق، والثاني: أن المدخل الصحيح والذي يحظى بالأولوية في الوقت الراهن وربما هو الأكثر إلحاحًا لحل الأزمة الليبية يتمثل في رفض التدخلات الخارجية في الشؤون الليبية سواء أكان من خلال قوات أجنبية أو مرتزقة وهو مبدأ ثابت وأصيل في مضامين السياسات الخارجية لدول الخليج العربي، والثالث: في ظل العلاقات الاستراتيجية التي تربط بين دول الخليج العربي ومصر فإن استقرار ليبيا يمثل ضرورة استراتيجية للجانبين ومن ثم يمكن للدور الخليجي أن يسهم بقدر كبير في دعم ذلك الاستقرار أخذًا في الاعتبار أن بعض دول الخليج العربي ترتبط مع حلف الناتو في الوقت ذاته بعلاقات وثيقة ضمن مبادرة إستانبول للتعاون التي أطلقها الحلف عام 2004م وفي ظل التنافس الدولي الراهن في دول الشمال الإفريقي عمومًا فإن ثمة تنسيقًا ضروريًّا بين الحلف وشركائه من دول الخليج العربي.
تمثل دول الخليج أهمية محورية لدى المسؤولين الليبيين ومن ذلك الجولة التي قام بها رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد الدبيبة إلى بعض دول الخليج العربي في أبريل 2021 والتي تعد الزيارة الخارجية الثانية له بعد زيارة قام بها لمصر، ويعني ذلك أن ثمة قناعة لدى المسؤولين في ليبيا بأن دعم الدول المحورية لجهود إرساء الأمن والاستقرار في ليبيا لا بد وأن يرتكز بشكل أساسي على دعم كل من مصر ودول الخليج العربي والتي تحرص على دعم ليبيا سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، ففي البيان الختامي للمجلس الوزاري الخليجي في دورته رقم 148 المنعقد بالرياض في 16 يونيو 2021 تضمن الإشادة «بالتقدم الذي تحقق في ليبيا في تثبيت وقف إطلاق النار، وانعقاد ملتقى الحوار السياسي الليبي تحت رعاية الأمم المتحدة، واختيار وتنصيب السلطة التنفيذية المؤقتة الجديدة، لوضع الأسس والأطر الدستورية والتشريعية تمهيدًا لإجراء الانتخابات، سعيًا إلى تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في ليبيا وضمان سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها ووقف التدخل في شؤونها الداخلية، وخروج كل القوات الأجنبية من الأراضي الليبية».
ومع أهمية الدعم الاقتصادي والسياسي الذي سوف تضطلع به دول الخليج العربي تجاه ليبيا ففي تقديري أن ثمة ثلاثة مداخل استراتيجية يمكن من خلالها تقييم الدور الخليجي تجاه استقرار ليبيا، المدخل الأول: في ظل ما يلاحظ من انحسار القوى الكبرى عن مناطق الصراعات إما ب بالانسحاب أو بإعادة الانتشار العسكري في مناطق ترى أنها يجب أن تحظى بالأولوية فإن ثمة مسؤولية تقع على عاتق الدول المحورية لإنهاء الأزمات الإقليمية التي يمكن أن تكون مناطق جذب لعمل التنظيمات الإرهابية لشن هجمات على دول وأهداف تتجاوز النطاق الجغرافي لتلك الصراعات، والثاني: مع الأخذ في الاعتبار التحذيرات التي أطلقها أنطونيو جوتيرش الأمين العام للأمم المتحدة بشـأن نذر حرب باردة جديدة فإنه من مصلحة كل الدول أن تعزز من تحالفاتها الإقليمية مع الدول التي ترتبط معها بمصالح وثيقة لأن من شأن تلك التحالفات أن تسهم في الحفاظ على توازن القوى الإقليمي الذي يعد الشرط الأساسي لتحقيق مفهوم الأمن الإقليمي، والثالث: مع الأخذ بالاعتبار انتهاء الحدود الفاصلة بين الأمن الإقليمي والأمن العالمي فإن ذلك لا يعني أن ثمة حلولا دولية جاهزة لكل الأزمات الإقليمية بل إن المداخل الإقليمية ربما تكون أكثر نجاعة وهي القناعة التي تسود لدى المسؤولين الليبيين الذين حرصوا على ربط ليبيا بالإطار الإقليمي من خلال التصريحات والزيارات التي أكدت ذلك المعنى لدور تلك الدول والإدراك بأن تدويل الأزمات سببًا رئيسيًّا في إطالة أمدها وتقدم الأزمة السورية دليلا على ذلك.
كانت - ولاتزال - آلية المؤتمرات الدولية لدعم الدول التي تشهد صراعات آلية ناجعة حيث تضم العديد من الأطراف المعنية بتلك الصراعات لمناقشة أبرز التحديات وتحديد آليات فاعلة لتنفيذها بشكل جماعي وهو ما يتوقع أن يشهده مؤتمر «دعم استقرار ليبيا».
} مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك